حرمان سوريا من السلع الفاخرة

TT

منذ نحو شهر، منع الاتحاد الأوروبي زوجة بشار الأسد أسماء، ونساء آخرين من أقاربه من التسوق وشراء سلع فاخرة في أوروبا، في محاولة منه لإثبات حزمه. لسبب ما، لم ينجح منعهم من الشراء من «ديور» و«أرماني» و«برادا» في إسقاط نظام الأسد أو وضع حد للهجمات المستمرة ضد المدنيين. وفرض الأوروبيون - بدعم من إدارة أوباما - حظرا على تصدير السلع الفاخرة إلى سوريا، مع ذلك لم يتوقف القتل. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في مقالها الافتتاحي خبر فرض الحظر على تلك السلع على نحو يتسم بالجدية، وكأنه حصار بحري، مما يعد مثالا على ذهابنا إلى أرض الأحلام، ففي الحلم كان الحاكم المستبد الذي يحارب من أجل بقائه وبقاء أسرته سيجلس على طاولة المفاوضات لأنه مضطر إلى التوقيع عليه بقلمه «المونت بلانك».

بطبيعة الحال، تم اتخاذ إجراءات ومقاطعات أكثر عملية، لكن من الجيد ألا ننسى أن المقاطعة الحازمة التي فرضت على نظام صدام حسين لمدة 12 عاما لم تنجح في إسقاطه، وتطلّب الأمر غزو العراق. وهنا، يكمن الدرس المستفاد. بهذه الحتمية الجامدة، تسير الأزمة السورية على نحو متوقع، حيث ظهرت منذ عام مؤشرات الثورة من خلال الاضطرابات التي حدثت في درعا وما تبعتها من مظاهرات في العاصمة دمشق، وكان رد قوات الأمن عنيفا كما هو متوقع أيضا. أدى هذا إلى سلسلة من التوقعات الوردية غير الواقعية، حيث قالت الإدارة الأميركية وحكومات الدول الغربية إن الأسد سيتنحي قريبا وسرعان ما ستنفرج الأزمة. مع ذلك، لم يحدث أي من هذا.

قُتل حتى الآن 9 آلاف شخص وأكثرهم من المدنيين، بينما فر عدد لا يحصى من البلاد طلبا للجوء أو فقط من أجل جرعة ماء في الأردن أو تركيا. واستخدم الأسد، الذي لا يتمتع بأي شرعية، جيشه ووجه أسلحته ضد شعبه. لقد قصف المنازل والمستشفيات الميدانية. وقتل القناصة أكثر الناس فضولا، حيث تم استهداف الصحافيين وبالتالي قتلهم. وتم اقتراح فرض حظر على الأسلحة التقليدية، لكن لم يكن لهذا تأثير كبير.

وهناك شك في قيام الروس برحلات دبلوماسية من أجل إدخال الأسلحة إلى سوريا، وتفعل إيران، أقرب حليف لسوريا، ما تريده. وأكثر ما تريده هو استمرار بقاء نظام الأسد. وأرسلت الأمم المتحدة 12 مراقبا، ومن المحتمل أن ينضم إليهم 288 آخرون. حتى هذه اللحظة، يلعب النظام لعبة القط والفأر معهم، حيث يسحب الدبابات والقوات عندما يصل المراقبون، ثم يعيدهم مرة أخرى بعد أن يغادروا. فأيا كان الوضع، فلن يسمح الأسد للأمم المتحدة بأن تحول بينه وبين أعدائه.

تشبه سوريا البوسنة كثيرا، حيث يسير السيناريو على نحو متوقع يجعلنا نرى النهاية جلية. لن يوافق الأسد إلا على عدم عمل أي شيء، فهو لا يستطيع التراجع بعد كل هذا الدم الذي أريق. لقد قطعت الكثير من العهود بالانتقام، وكلما استمر القتال، ازداد الطرفان عنادا. لقد قتل والد الأسد نحو 20 ألفا في مدينة حماه. ورغم أن هذا يبدو دأب الأسرة، ربما يتبين أنه ليس سوى اختبار شخصي.

ومثلما يشبه ما يحدث في سوريا ما حدث في البوسنة من إجراءات غير فعالة وهوجاء أدت إلى خروج الوضع عن السيطرة، كذلك سيكون الحل متشابها وهو الضربات الجوية. ويعد هذا جزءا من الطريقة التي أيدها جون ماكين وليندسي غراهام وليو ليبرمان وكل أعضاء مجلس الشيوخ. إنهم يقترحون قصف مقرات القيادة والتحكم السورية، وكذلك تسليح المعارضة.

قيل لي إنه حتى هذه اللحظة لم يتم تزويد المعارضة بأي وسائل اتصال. إنهم ينصحون بتوفير مناطق آمنة داخل سوريا بحيث يمكن تدريب الثوار كما ينبغي ويتلقون المساعدات الطبية، رغم أن القيام بذلك على الحدود الأردنية والتركية قد يكون أكثر واقعية.

من المحال معرفة ماذا سيحدث بعد انهيار نظام الأسد؛ هل سيحل محله حكم إسلامي؟ أم ستغرق البلاد في الطائفية؟ مع ذلك، يمكن تجنب هذه النهايات الكارثية من خلال مساعدة الولايات المتحدة المعارضة السورية في تنظيم صفوفها وإثبات أنها منحازة إلى الثوار.

مع ذلك، التزمت واشنطن الظل، وليس لدى الأوروبيين القدرة العسكرية اللازمة لتنفيذ ذلك. على الجانب الآخر، سيعاني الشعب السوري وأسرة الأسد، حيث سيُحرم الأول من الحياة والحرية، وستحرم الثانية من آخر صيحات الأحذية لهذا الموسم.

* خدمة «واشنطن بوست»