البحرين تواجه بحرين

TT

السيد نجاد مشغول بعملية هندسية طموحة تتضمن بناء جسرين؛ الأول نحو البحر المتوسط عبر العراق وسوريا؛ المخطط الإمبراطوري التاريخي القديم. الثاني نحو الخليج عبر البحرين للسيطرة على عموم الخليج وثرواته النفطية.. هذا هو البحر الأول الذي تواجه المنامة أمواجه.

البحر الثاني هو المعارضة الداخلية التي تتناغم مع أمواج البحر الأول. ليس لنا ما نقوله للسيد نجاد.. هذا موضوع نتركه للشعب الإيراني الذي يواجه المخاطرة ويتحمل تكاليفها وتبعاتها. المعارضة الداخلية لها ما تقوله مثلما لنا ما نقوله. وما نقوله نذكرهم به، وهو ما كتبته في هذه الزاوية باستمرار.. الاستقرار شيء أساسي لكل الأمم، بيد أنه بالنسبة للبحرين شريان الحياة. فليس لهذه الدولة ما تصدره.. بنت استراتيجيتها الاقتصادية على الخدمات السياحية والمصرفية والتجارة العالمية.. أنفقت مبالغ طائلة على بناء البنية الأساسية لهذا المصدر من الرزق. وما من شيء يعتمد عليه هذا المصدر أكثر من الأمن والاستقرار وسيادة القانون. قنبلة واحدة تكفي لقطع السياح لسنوات، كما اكتشف المصريون.

ولكنني قلت إن المعارضة أيضا لها ما تقوله. وكان مما قلته مرارا أيضا في هذه الزاوية هو أن جل هذه الاضطرابات التي تجتاح العالم العربي تعود للعركة على الكعكة، وأقصد حق المتعلمين وأبناء الطبقة المتوسطة في أخذ نصيبهم من الكعكة، ونصيبهم على الغالب عندنا هو المناصب والوظائف والأعمال. فطن نوري السعيد في العراق لهذه الحكمة، فشارك المعارضة في الحكم، بل والزواج بأبنائهم.. ولكنه في لحظة شيطانية، غفل عن هذه الحكمة وحل البرلمان فانفجرت القنبلة تحته.

وهذه مسألة على السلطة والمعارضة أن تسعيا لحلها بصورة سلمية لا تعكر استقرار البلاد ولا تعرضها للخطر الخارجي. ويتمثل الخطر الخارجي في سعي إيران لبث الاضطرابات؛ بل والثورة، لتقع البلاد في حضنها كما فعلت في العراق. ولتنجح المعارضة في مفاوضاتها مع السلطة، عليها أن تطمئن المسؤولين من حيث حرصها على الوقوف بجانب استقلال البلاد وسيادة البحرين ودوام النظام القائم، وأمن الخليج وعروبته، وإدراكها أن رخاء البحرين ومستقبلها الاقتصادي والحضاري يتوقف على بقائها جزءا من كيان المنطقة العربية، وهذه أمور على زعماء الطائفة الشيعية أن يثبتوا مصداقيتها باجتهاداتهم وطقوسهم واتصالاتهم واستقلاليتهم وتمسكهم بالتشيع العربي الأصيل بعيدا عن التشيع الصفوي الدخيل والمعادي للعروبة والخلفاء والتاريخ العربي، ونحو ذلك من التفاصيل.

أعود لأكرر ما سبق أن كتبته.. ما نحتاجه ليس تغيير الأنظمة، وإنما تغيير شعوبنا.. خذوا العراق مثالا وبرهانا على ما أقول. آخر ما جاء من أنباء الربيع العربي هو أن دوله فقدت سبعين مليار دولار منذ انطلاقته، وما زلنا في أول الدرب. طريق الخلاص، مع الأسف، طويل.

شعب البحرين كما عرفته شعب متطور ويعتز أبناؤه بتحضرهم وتنورهم وانسجامهم مع الحياة المعاصرة. سأشعر بجرح بالغ إذا سمح لنفسه بالوقوع في هذا التخلف الذي أوقع به الإسلامجيون العراق وإيران. هذا شيء ينبغي لكل بحريني الحذر منه، فالتخلف علة مثل الإكزيما يصعب التخلص منها.