حكومة د. فايز الطراونة

TT

ما يحدث في الأردن هذه الأيام يستحق المتابعة والاهتمام، نظرا للأهمية الاستثنائية لضرورة الاستقرار الداخلي في دولة فرضت عليها الجغرافيا صعوبة ومعاناة يومية في التاريخ.

ومعركة الإصلاح السياسي والاقتصادي ومقاومة الفساد التي رفع شعاراتها الشارع السياسي الأردني، وتبناها بذكاء الملك عبد الله الثاني، هي المحك الرئيسي الذي يمكن على أساسه قراءة مستقبل استقرار الملكية وسلامة المملكة.

وتأتي استقالة عون الخصاونة، بالشكل الدراماتيكي الذي لم يتكرر في تاريخ الأردن إلا في عهد حكومة «داود» في عهد الملك الحسين بن طلال رحمه الله، لتضع البلاد مرة أخرى في المربع رقم واحد. وتأتي عملية الاستعانة بالدكتور فايز الطراونة (63 عاما) رئيسا جديدا للحكومة كحل أكيد ومضمون للتأكد من عدم وجود أي صدام بين الديوان الملكي من ناحية والحكومة من ناحية أخرى.

الدكتور الطراونة شغل المنصب الأول في الجانبين، تارة حينما كان رئيسا للديوان الملكي الهاشمي، ومرة حينما كان رئيسا للحكومة في أدق الأوقات وأخطرها. وأدعي أنني عرفت الرجل عن قرب في التجربتين، لكني عرفته أكثر في أخطر أيام حكم الأردن المعاصر، وهي فترة مرض الملك حسين رحمه الله، ثم بداية صراع السلطة في غيابه، حتى عودته وإعفائه لشقيقه الأمير الحسن بن طلال، ثم اجتماعه الشهير بمجموعة مختارة من الأمراء والأعيان والدكتور الطراونة حينما أبلغهم بتوليته ابنه عبد الله بن الحسين وليا للعهد ونائبا للملك، وأوصاهم به خيرا كمليك مقبل للبلاد.

في تلك الأيام الحرجة لعب الدكتور الطراونة في صمت وحكمة واقتدار دور الناقل للسلطات، وأحد كبار الداعمين للانتقال من عهد إلى آخر. وفي تلك الفترة أيضا تم تنظيم جنازة شديدة الإحكام والتنظيم والترتيب، ثم إنجاز مراسم حلف اليمين وتدعيم العهد الجديد بشكل بالغ الإتقان.

وقد تكون مهمة الدكتور الطراونة هذه المرة لا تتعدى المائة يوم من ناحية الزمن، وتسعى لتجنب أزمة بين الحكم والشارع والبرلمان من ناحية المهمة، إلا أنها من ناحية الوزن السياسي بالغة الأهمية. وفي المهام الصعبة دائما يلجأ الديوان الملكي لرجال الثقة، وهذه هي حالة الاستعانة بالدكتور فايز الطراونة.

مهمة قد تكون قصيرة من ناحية الزمن، لكنها صعبة من ناحية الثمن.