مصر والسعودية.. القصة الكبرى

TT

ليست الأزمة الحالية الحاصلة بين السعودية ومصر اليوم هي الأولى من نوعها، وبطبيعة العلاقات بين الدول حتما لن تكون هي الأخيرة. ولذلك من المفروض وضع جميع «الأزمات» بين البلدين في إطارها المحدد إذا ما حدثت، ولكن ما يحدث اليوم في مصر هو حالة «مختلفة»، فمصر لا تزال تعيش حالة مخاض طويل للخروج من حالة الثورة إلى المرحلة التي تلي الثورة، وهي حالة مرتبطة «بسيولة» مبالغ فيها من التنفيس عن الغضب المكبوت في صدور الشعب عموما وشباب الثورة تحديدا، وذلك نتيجة عقود طويلة من خيبة الأمل التي ولدت مع حكم الانقلاب العسكري الذي حصل في عام 1952.

ولن يكون من المجدي ولا المفيد استعراض تاريخ العلاقات السعودية - المصرية وأهم نقاط التضامن والخلاف وكيف تم تجاوزها، «فليس بين الخيّرين حساب»، لأن العلاقة بين بلدين بوزن وحجم وثقل السعودية ومصر يجب أن تتخطى صغائر الأمور إلى الصورة الكبرى، وهو الاحترام والثقة المتبادلة، وبالتالي لا بد من معالجة ما يؤثر على هذه المسألة بشكل فوري وقطعي.

منذ قيام الثورة كان هناك «قبول» عام، سواء أكان من القيادة أم الإعلام أم الشارع، لتوجيه التهم والافتراءات بحق السعودية والسعوديين، وتم اتهام السعودية بأنها مارست ضغوطا لإبقاء مبارك وبعدها مارست ضغوطا لعدم محاكمته، وأنها هي التي أطلقت «فزاعة» السلفيين والذعر والرعب الذي أصاب المجتمع المصري جراء خطابهم الديني المتطرف جدا، وأن السعودية كانت وراء حملات «الفلول» التابعين لبقايا الحزب الحاكم السابق. وطبعا لم يكن كل ذلك سوى حديث نميمة رخيص فيه من الهزل والكذب والمبالغة الشيء الكثير، وانتقل من دهاليز وأزقة الشوارع إلى أعمدة الصحف وشاشات التلفزيون، وتحول الطرح بالتالي إلى مصدر «ثقة» لأن من يردده باتوا شخصيات ذات مكانة ومصداقية، وزادت حدية التطاول على السعودية، كل ذلك وسط صمت غريب من الحكومة المصرية، وحجتهم أن الحكومة المصرية نفسها تتعرض للنقد والإهانة، وهذا مرفوض لأن المقصود هناك حماية المنشآت السعودية الدبلوماسية والأفراد التابعين للبعثة الدبلوماسية، وطبعا معلوم قدرة الأمن المصري على ضبط الشارع والناس إبان الانتخابات النيابية الأخيرة. ولكن الأهم في الموضوع هو حالة التراخي بحق الحالة السعودية تحديدا. فاستهداف بعض الاستثمارات السعودية تحديدا و«الخليجية» عموما بعد سقوط نظام حسني مبارك بشكل انتقائي وانتقامي، كان مؤسفا ومعيبا وأثر على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ولم يتم استهداف الاستثمارات الليبية واللبنانية والأوروبية مثلا!

المجلس العسكري أصدر عقب تسلمه السلطة بعد تنازل الرئيس السابق حسني مبارك عنها له؛ أصدر بيانا يوضح فيه موقفه واحترامه للمعاهدات والاتفاقيات الدولية، وكان الهدف منه طمأنة الغرب والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل بخصوص اتفاقية السلام. وكان الأمل أن يصدر بيانا بنفس القوة والوضوح يعبر فيه أن العلاقات مع الدول العربية، والسعودية تحديدا، ذات بعد استراتيجي لن يسمح بالتعرض لها ولا المساس بما يهددها، وتفعيل منظومة القضاء للنظر للتطاول الكاذب الذي حصل بحق السعودية ورموزها في أكثر من مناسبة، لأن التساهل في هذه المسألة أفهم الآخرين أن ذلك بمثابة ضوء أخضر للسماح بالمزيد، ولكن هناك مسألة أخرى لا بد من مراعاتها وهي من الذي كان وراء إطلاق الخبر المختلق عن اعتقال «المحامي الحقوقي» وهو قادم للعمرة بتهمة إهانة الذات الملكية والحكم عليه بالسجن سنة والجلد عشرين جلدة؟!

وبمراجعة التغريدات على «تويتر» التي نقلت الخبر بشكل أولي، كانت من أطياف الثورة التي تتعاطف معها إيران بشكل معلومات ورد الفعل الإيراني في إعلامها، أن «كرامة المصريين فوق كل اعتبار ولن يسمح بإهانتها من أي طرف كان».

العلاقة السعودية - المصرية مهمة وحيوية ولكن لا بد من توفير المناخ اللائق لها، وهذا غير متوفر اليوم، والخطوة التي اتخذتها السعودية هي أضعف الإيمان المطلوب في ظل جو ملبد بالغيوم السوداء المليئة بسوء ظن.

الجيزاوي ليس هو القضية، فهو اعترف بجريمته ومحاولة تهريبه لأقراص الدواء المهدئ للأعصاب، مفندا بذلك القصة التي تم تداولها في مصر، فاضحا الكذبة التي انتشرت كالنار في الهشيم، ولكن القصة هي بلدان يجب صون ما بينهما.

[email protected]