الأزمة المصرية ـ السعودية

TT

في الأزمة الحالية التي تشهدها العلاقات المصرية – السعودية، وهي ليست الأزمة الأولى في التاريخ الحديث لعلاقات البلدين على مدار 5 أو 6 عقود، شيء جديد أخطر مما حدث سابقا، وهو البعد الشعبي الذي يتفاعل مع ما وقع من أحداث مؤسفة أمام مقار البعثات الدبلوماسية، ويغذيه الإعلام الجديد المتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي التي تسهم في بعض الأحيان في صب الزيت على النار بنشر الشائعات أو الأخبار غير الصحيحة، ذلك بخلاف التهييج الذي يجري في برامج حوارية دون أي اعتبارات لمصالح أو روابط يصعب تجاهلها.

الغريب أن كثيرين فوجئوا، رغم ما حدث، بقرار الرياض استدعاء السفير السعودي في القاهرة وإغلاق مقار البعثات الدبلوماسية في مصر، فالسياسة السعودية الخارجية عرفت بأنها تتسم بالتروي وعدم اتخاذ خطوات انفعالية متعجلة، خاصة مع الدول العربية، والسعي دائما لإبقاء باب الحوار مفتوحا، وهو ما يعني أن حجم الغضب كبير هذه المرة عن أي مرات سابقة حدث فيها توتر في العلاقات.

الجديد هذه المرة - وهو ما يمكن ملاحظته من ردود فعل الشارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي - هو أن الغضب مما حدث ليس سعوديا رسميا أو حكوميا، لكنه على صعيد الناس العاديين أيضا، من خلال الترحيب بهذا القرار ردا على ما حدث في القاهرة، ولا يستطيع أحد أن يلومهم على هذا، فلو تصورنا أن العكس قد حدث لأي سبب وقام سعوديون في الرياض باقتحام السفارة المصرية وكتبوا عليها شعارات أو كلمات مسيئة، ألم يكن ذلك سيحدث موجة غضب في الشارع المصري.

هذا الجزء الشعبي في ردود الفعل هو ما يجب العمل على محاصرته وعدم السماح للبعض في التمادي فيه، وذلك عن طريق تغليب أصوات الحكمة والعقل والتهدئة. فالمصالح والعلاقات والجغرافيا السياسية بين البلدين لم تنقطع في الماضي، ولن تنقطع في المستقبل، لأن حجم ما يربطهما أقوى من أي خلافات طارئة تحدث.

على الجانب المصري، فإن القرار السعودي - رغم أنه ليس قرارا سعيدا - فإنه يمكن أن تكون له فوائده وسط حالة الانفعال، تجاه كل شيء، التي تعيشها مصر حاليا، من ناحية أنه قد يكون صيحة تذكير بأن العلاقات الخارجية لا تؤخذ بالذراع، فهناك قواعد تحكمها ولا يجوز تجاوزها، وهناك مسؤولية على الدولة المضيفة في حماية البعثات الدبلوماسية التي تستضيفها، ولا تستطيع جماعات سياسية أن تفرض إرادتها على أطراف خارجية بمظاهرة أو اقتحام سفارة، وإلا لكانت فوضى وغوغائية لا تصيب إلا صاحبها، وإذا كانت هناك شكاوى أو مظالم فهناك طرق دبلوماسية وقانونية لمعالجتها وإلا تحولت العلاقات الدولية إلى غابة.

فالشارع وحركته هو للقضايا المحلية، أما تصور أنه يمكن أن يدير سياسة خارجية كما حدث بعد 25 يناير (كانون الثاني) بإرسال وفد دبلوماسي شعبي إلى إثيوبيا لمعالجة ملف مياه النيل، وتصور أن الدول تدير مصالحها بالنوايا وأحاديث المقاهي وليس بالمصالح الاستراتيجية فإنه وهم، ودور النخبة هو توعية الشارع وليس تتويهه. لقد انتقد كثيرون بعد 25 يناير في مصر ما حدث بين مصر والجزائر بسبب مباريات كرة قدم، وما زالت آثارها حتى اليوم، وحملوا النظام السابق مسؤولية ما حدث، وأنه دفع في اتجاه التصعيد لأسبابه الخاصة، ثم تأتي اليوم قوى تقول عن نفسها إنها ثورية وتقوم بما هو أسوأ، ومع دولة حجم المصالح معها أضخم وبما يخالف الأعراف والقوانين الدولية ليظهروا بلدهم بمظهر متخلف.

الأغرب هو افتعال هذه المعركة الآن وتوقيتها، فمشكلة المحامي الذي اعتقل في السعودية واتهم بأنه أحضر معه أقراصا غير مصرح بها ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، فطالما هناك عشرات الآلاف أو الملايين الذين يسافرون أو يعملون بين البلدين لأسباب مختلفة لا بد أن تكون هناك مشاكل وقضايا شخصية، وتحويل كل قضية إلى أزمة هو مظهر تخلف. ولننظر كيف يتعامل العالم مع ملابسات مثل هذه، فهناك مثلا أوروبيون أو غربيون سجنوا أو حوكموا في السعودية، أو حتى في مصر، في قضايا تعتبر مخالفة للقوانين، بينما في بلدانهم الأصلية لا تعد مخالفة ومع ذلك لم نسمع عن أحد اقتحم سفارة، هناك قنوات دبلوماسية لمعالجة ذلك..

قليل من الحكمة يا سادة، فالوضع ينطبق عليه المثل المصري الشائع الذي يقول عن شخص «إنه يخانق دبان وشه».