الصدمة التي غيرت مجرى حياتنا

TT

يروى أن عالم النحو الشهير سيبويه قد أخطأ في لفظ عبارة، فقال له أحد الحاضرين: يا فارسي لا تقل «صعد.. الصفاء»، لأن «الصفا» مقصور، فامتعض سيبويه بشدة، ولما فرغ من مجلسه كسر القلم وقال: لا أكتب شيئا حتى أحكم العربية! وفي رواية أخرى قال له شخص لقد «لحنت يا سيبويه»، وهي تعد نقيصة عند العرب، آنذاك، فرد سيبويه قائلا «لا جرم والله، لأطلبن علما لا تلحنني معه» فعكف على دراسة علم النحو حتى صار علما من أعلامه حتى يومنا هذا.

هذه الصدمة التي فاجأت سيبويه، يتعرض لها كثير منا في حياته، سواء في لحظة انتقاد صريحة يسمعها من مديره، أو عميله، أو قريبه، أو صديقه الذي قرر أن يكاشفه بعيوبه أو تقصيره. غير أن البعض منا قد يأخذ المسألة بصورة شخصية فيبدأ بالدفاع عن نفسه قبل أن يفكر بمدى حقيقة ما يتناهى إلى أسماعه. فقد تغير هذه الحقيقة المُرة، التي لا يلقي لها البعض بالا، مجرى حياتنا لو أننا أحسنا الاستفادة منها أو قد تنبهنا هذه الكلمات اللاذعة إلى خطر داهم كان قاب قوسين أو أدنى منا بسبب سلوك مذموم نمارسه.

وهذا يذكرني بحديث الصحابي الجليل معاذ بن جبل حينما كان رديف رسول، الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا نبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: «ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم». ولك أن تتخيل وقع هذا الحديث أو الصدمة على هذا الصحابي، وكيف ساهم مثل غيره من الأحاديث التي يسمعها لأول مرة في تغيير مجرى حياته، حتى ختم حياته وقد بشر بأنه أحد المبشرين العشرة بالجنة.

والتاريخ عموما يزخر بقصص كثيرة، شكلت فيها صدمة الموقف أو المعلومة المسموعة صدمة غيرت مجرى حياة الفرد، وربما محيطه، مثل تفاحة نيوتن التي يروى أن لحظة سقوطها على رأسه هي التي دفعته إلى البحث والتمحيص حتى اكتشف قانون الجاذبية. والأمر نفسه ينطبق على من كانوا يظنون أن عبور المحيط الأطلسي من أوروبا يؤدي إلى سقوط السفينة، لأن هذا البحر هو نهاية الكرة الأرضية، حتى خالف المستكشف كولومبس هؤلاء ثم كانت الصدمة التي غيرت مجرى حياة الناس باكتشافه أميركا التي تقود الآن العالم!

إن الصدمة، بأنواعها العاطفية أو الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية تجعلنا أحيانا نفيق من غفلتنا، ولذا كان مهما أن يرخي المرء أسماعه لكل ما يجري حوله من حوارات عله يكتشف معلومة مهمة تغير مجرى حياته.

وفي حياة كل منا صدمة واحدة على الأقل دفعته أو ستدفعه لتغيير وظيفته أو علاقاته مع الناس أو خالقه، وعليه فإن من الحصافة أن يستفيد المرء من لحظة الصدمة بطريقة إيجابية تقدمه ولا تؤخره.

[email protected]