الجزائر واللعب بالنار!

TT

أيام قليلة جدا تفصلنا عن موعد الانتخابات التشريعية الجزائرية التي ستُجرى في اليوم العاشر من الشهر الحالي. وهي انتخابات تتجاوز أهميتها حدود القطر الجزائري لتشمل منطقة المغرب العربي والبلدان العربية والإسلامية ككل.

فالسياق الزمني لموعد الانتخابات التشريعية في الجزائر، يضاعف من أهمية وقيمة ما ستسفر عنه من نتائج، الشيء الذي يجعل منها الانتخابات الأكثر خطورة بالنسبة إلى العقدين الأخيرين من حياة الجزائر السياسية. ولا تقتصر خطورتها على طرف بعينه، بل تشمل الأطراف كافة: سلطة حاكمة وأحزاب معارضة سواء أكانت علمانية أم إسلامية.

وتستمد هذه الانتخابات أهميتها من عدة اعتبارات؛ أولها أن الجزائر رغم ما عرفته طيلة السنة والنصف سنة الأخيرة من احتجاجات، فإن النخبة الحاكمة نجحت في استيعابها وإحباط السيناريو الذي رسمته تلك الاحتجاجات والمتمثل في القيام بثورة كما حدث في تونس ومصر وليبيا. ومن ثم فإنه على المستوى النظري تبدو هذه الانتخابات بديلا تعويضيا عن الثورة.

الاعتبار الثاني يتمثل في كون هذه الانتخابات تزامنت مع صعود النخب الإسلامية في تونس والمغرب ومصر، وحتى ليبيا من منطلق أن المجلس الذي يدير شؤون البلاد حاليا أغلب عناصره ذات توجهات إسلامية، بمعنى أن الانتخابات التشريعية الجزائرية ستجرى في ظرف يغلب عليه ما يمكن أن نسميه ربيع الإسلام السياسي مغاربيا وعربيا. دون أن يذهب عن بالنا أمر بالغ الدقة يتمثل في ثقل التجربة الإسلامية السياسية في الجزائر وقدرتها على التأثير الشعبي لما تمتلكه من جاذبية شعبية قد تتأكد في ظل ظروف اقتصادية داخلية وجيو سياسية ملائمة جدا.

لذلك، يمكن القول إن الإسلام السياسي في هذه الانتخابات يعد الأكثر خطورة باعتبار أن ربيع الإسلام السياسي المغاربي لن يكتمل ولن يتكرس على نحو قوي إلا بفوز الأحزاب الإسلامية بأغلبية مقاعد البرلمان الجزائري. ساعتها يمكن الحديث بمطلق الثقة عن حزام إسلامي سياسي والزمن الذهبي للأحزاب الإسلامية، إذ إن الجزائر تتميز بثقل جغرافي وديمغرافي وسياسي يجعل منها رقما محددا لمستقبل المنطقة المغاربية في صورة فوز الإسلاميين.

وإذا كان الإسلاميون في عام 2007 لم يستطيعوا الفوز إلا بأقل من ربع المقاعد من جملة 389 مقعدا، فإن طموحهم الحالي يرنو إلى الحصول على الأغلبية التي تشترط بدورها الفوز بنصف المقاعد البالغ مجموعها 462 مقعدا. وباستثناء «جبهة الإنقاذ» التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات، فإن الأحزاب الإسلامية الأخرى وتحديدا تكتل الجزائر الخضراء وحركة مجتمع السلم وحركة النهضة وحركة الإصلاح الوطني، تراهن بقوة على هذه الانتخابات، داعية الجزائريين إلى عدم العزوف عن المشاركة السياسية من خلال التصويت. والواضح من خطاب الأحزاب الإسلامية المشار إليها الثقة العمياء بتحقيق الفوز، بل إن المانع الوحيد للفوز بالأغلبية - حسب زعمهم - هو قيام السلطة الحاكمة بتزوير الانتخابات.

ولقد تم التعبير عن هذه الثقة العمياء بخطاب لم يخل من تهديدات مباشرة تشير إلى شروع الدولة في ممارسة التزوير من خلال توظيف الجيش كخزان انتخابي وأيضا التلويح بتفجير الشارع في حال عدم فوزهم، وهو ما عبر عنه بدقة ووضوح تأمين السيد فاتح ربيعي أمين عام حركة النهضة الجزائرية بقوله (أي تلاعب لتحريف إرادة الناخبين هو لعب بالنار).

وعندما نضع في الاعتبار أن توجيه تهمة التزوير قد سبق إجراء الانتخابات ذاتها، فإننا نستنتج (اللهم إلا إذا كانت هذه التصريحات مناورة سياسية لا غير) أن الإسلاميين لن يعترفوا بأي نتائج لا تعلن فوزهم بأغلبية المقاعد حتى لو أن الشارع الجزائري لم يصوت لهم بالشكل المتوقع بالنسبة إليهم.

وفي الحقيقة من الناحية السياسية، تبدو الظروف مواتية لفوز الأحزاب الإسلامية في الجزائر رغم تشتتها. وهي في نفس الوقت الظروف ذاتها التي تجعل من السلطة الحاكمة أكثر صدقا في الإصلاح الديمقراطي كي لا تكون هذه الانتخابات فتيل النار الذي سيدخل الجزائر في دوامة معقدة وربما دامية.

لذلك، فإن الأمر دقيق ليس للدولة فقط، بل للإسلاميين أيضا الذين سيخسرون في صورة تغليبهم للعنف!