أوباما وبن لادن

TT

قام الرئيس أوباما بزيارة غريبة مفاجئة لقاعدة باغرام في أفغانستان في 1 مايو (أيار) 2012. وفي ذكرى مرور عام على مقتل بن لادن، وقف أمام مدرعات الجيش المصفحة وتحدث عن «ضوء يوم جديد يلوح في الأفق» بعد أكثر من عقد من الحرب. وتحدث قائلا: «الهدف الذي حددته – تدمير تنظيم القاعدة، وحرمانه من أي فرصة للبناء من جديد – بات الآن في متناول أيدينا».

وصفت الصحيفة الأفغانية «هشت صبح» (أي الثامنة صباحا) زيارة أوباما بعبارة «رحلة في الظلام!». تم اختيار هذا الوصف لأن أوباما زار قاعدة باغرام بعد الغروب يوم الثلاثاء، ثم غادرها قبل شروق شمس الأربعاء! من الصعب تصديق أن هذه الرحلة التي تمت في الظلام تمثل انتصارا لأميركا.

سافر أوباما إلى أفغانستان للمرة الأولى أثناء حملته للانتخابات الرئاسية لعام 2008، وكان لا يزال سيناتورا في ذلك الحين. ولكن الآن، تعتبر هذه هي زيارته الأولى إلى الدولة منذ أن أصبح رئيسا للولايات المتحدة في يناير (كانون الثاني) 2009.

أعتقد أنه في هذه المرة تمثل زيارة أوباما إلى أفغانستان جزءا مهما من حملته الدعائية للانتخابات الرئاسية!

البون الشاسع بين قتل بن لادن من جانب وتدمير تنظيم القاعدة من جانب آخر واضح تمام. بعبارة أخرى، بينما قتل بن لادن (كقائد)، لا يزال تنظيم القاعدة (كمؤسسة) حيا. نظم تنظيم القاعدة عملية ضد حلف الناتو بعد ساعتين من خطاب أوباما في باغرام. قتل سبعة أفراد في كابل. وسمع الجميع صوت الانفجار. كانت الرسالة قوية وواضحة: ما زلنا جميعا أحياء!

أعلنت حركة طالبان عن مسؤوليتها عن الهجمات التي بدأت بسيارة مفخخة يقودها انتحاري، والتي انفجرت بالقرب من طريق جلال آباد الساعة السادسة صباحا، وتبعها انفجار أضخم بعد ساعتين. أخبر قادة طالبان وسائل الإعلام بأنهم يستهدفون «غرين فيليدج»، وهي عبارة عن مجمع محصن يقيم فيه الكثير من الغربيين، من بينهم متعهدون تابعون لوزارة الدفاع الأميركية.

وذكر ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم حركة طالبان، أن الهجوم جاء كرد فعل مباشر لزيارة أوباما: «عندما كان في أفغانستان، أردنا أن يسمع صوت التفجيرات. أفغانستان لا ترغب في استراتيجيته المفروضة».

يبدو من الصعب على أوباما وقواته الحديث عن النصر والادعاء بسقوط تنظيم القاعدة. أوباما منشغل هذه الأيام بحملته للبقاء رئيسا لفترة رئاسية ثانية؛ من ثم، فمن خلال الظهور بمظهر المنتصر، يمكنه التعتيم على الانسحاب النهائي الشائن للقوات الأميركية من أفغانستان. يجب أن لا ينسى أوباما أن الرئيس بوش الأب حقق انتصارا ساحقا في حرب الخليج عام 1991، غير أنه خسر في الانتخابات في عام 1992. غير أن الاقتصاد لا يزال أهم بكثير من السياسة، ومعظم الناخبين لا يعبأون كثيرا بموت بن لادن عند ذهابهم إلى صناديق الاقتراع في نوفمبر (تشرين الثاني)، بصرف النظر عن التكرار الكثير في تذكير الرئيس لهم بهذا الأمر من الآن حتى ذلك الحين.

فضلا عن ذلك، فإن قتل بن لادن كان حدثا مماثلا لأحداث أفلام الحركة الأميركية، وقد تسبب في كم هائل من المشكلات في باكستان. وكي أكون صادقا، لا أعتقد أنه من السهل قبول فكرة أن بن لادن قتل في الأول من مايو عام 2011.

واليوم، ثمة فجوة متزايدة بين الجيش والحكومة المدنية من جانب، وبين شعب باكستان والجيش والدولة من جانب آخر. وقد ذكر مسؤولون أميركيون أنهم لن يبقوا قواعد على المدى الطويل في أفغانستان، وأن الدولة لن تستخدم كقاعدة لشن هجمات على باكستان. إلا أن سفير أميركا لدى أفغانستان صرح يوم الأربعاء 2 مايو قائلا: «إذا تعرضنا نحن أو أفغانستان لتهديد أو هجوم من قبل دول خارج أفغانستان، فنحن نتمتع بحق الدفاع عن أنفسنا». من الواضح جليا أنه قد بعث برسالة إلى حكومة باكستان.

علاوة على ذلك، فإن ثمة بعض التساؤلات الكبرى مطروحة على السطح: لماذا لم تعتقل أميركا بن لادن؟ لماذا رفضت نشر بعض المعلومات التي عثرت عليها في منزله؟ لماذا لم يعرضوا صورة بن لادن بعد مقتله؟ لماذا رفضوا نشر أجزاء من الفيلم الذي يستعرض الغارة التي تم شنها على مجمعه السكني؟ هل من الصحيح أن العلاقة بين تنظيم القاعدة وحركة طالبان كانت قوية جدا؟ نشرت صحيفة «الغارديان» بعض الأخبار عن مقابلة بن لادن وأيمن الظواهري عدة مرات للملا عمر في أبوت آباد.

وربما لا تحمل بعض الوثائق ذات الصلة ببن لادن التي نشرها الجيش الأميركي يوم الخميس 3 مايو إشارات مباشرة دالة على أي دعم مؤسسي من جانب باكستان أو إيران لتنظيم القاعدة أو عناصره.

وتشير الوثائق التي جمعتها قوات الكوماندوز الأميركية حينما شنت هجوما على مجمع أسامة بن لادن السكني في أبوت آباد في 2 مايو، أيضا، إلى أن علاقات تنظيم القاعدة بباكستان متخمة بالمشكلات.

إن مناقشة الشأن الباكستاني نادرة وغير حاسمة. وعلى الرغم من أن ثمة إشارات إلى «إخوة باكستانيين موثوق فيهم»، فإنهم لم يكشفوا عن هوية هؤلاء الأخوة.

يبدو لي من خلال النشر الانتقائي للوثائق أن الولايات المتحدة ترغب في إعادة تنظيم علاقتها بباكستان، لكنني اطلعت على بعض الوثائق شديدة الأهمية من بين تلك الوثائق التي نشرها الجيش الأميركي يوم 3 مايو، وأود التأكيد على أن تنظيم القاعدة ما زال حيا وأن مؤسسته قوية مثلما كانت دائما. وأود التركيز على وثيقة تحمل الرقم المرجعي التالي : SOCOM 2012 - 0000008

وتتمثل الوثيقة في خطاب يضم بعض الأسئلة والإجابات:

«الأخ الكريم عبد الحكيم، وفقكم الله، هذه أسئلة من إخوة جيش الإسلام في غزة مع إجابات عليها من الشيخ محمود...

السؤال الثالث:

1) هل يجوز بيع المخدرات لليهود لهدف الإضرار بهم وأخذ الأموال منهم.. و

2) إسقاط جنود اليهود بواسطة المخدرات خصوصا من حرس اليهود؟

الجواب:

مسألة بيع المخدرات وما هو محرم في شريعتنا... الصحيح فيها عدم الجواز، فكل ذلك محرم مشمول بالنهي عن بيع هذه الأشياء، ولا فرق بين بيعها لمسلم أو كافر، لا في الحرب ولا في السلم.

أما السؤال الثاني: هو أيضا المنع وعدم الجواز، هذا هو الأصل: تحريم بيع الخمر ونحوها للكفار الحربيين، وتحريم استعمالها في العطايا لأهل الحرب بغرض التجسس واصطناع الناس منهم، فهذه كلها وسائل محرمة لا تجوز... لأن ذلك إعانة على الإثم والعدوان؛ لأن فيها تشويها لصورة الإسلام ولدعوته الكريمة الطاهرة وفيه صد عن سبيل الله».

إنها وثيقة فريدة! يمكننا مقارنتها بالنظرية ونمط السلوك الأساسيين اللذين يحكمان عمل جميع أجهزة الأمن في العالم، ومن بينها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» وجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد). ولهذا، أرى أنه من الصعب بمكان القول إن تنظيم القاعدة قد دمر واختفى، إذ تشير تلك الأنواع من الوثائق إلى أن تنظيم القاعدة لديه الهوية والآيديولوجية للبقاء، وهذه هي المشكلة الرئيسية التي تحتاج لمخاطبتها.

في المقام الأول، نواجه موضوعا غاية في التعقيد، يبدو الأمر أشبه بفيل في غرفة مظلمة أو بفتح صندوق باندورا. من يمكنه التنبؤ بتبعات الحرب في أفغانستان وبمستقبل تنظيم القاعدة؟ كيف أبصر الرئيس أوباما ضوء نهار جديد يلوح في الأفق؟