الواد نازل لأبوه!

TT

لا يوجد عاقل ولا شريف ولا منصف لا يعتقد بأن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، هو شخصية متطرفة وغير جادة ولا مسؤولة في احترام وعودها وتنفيذ تعهداتها وتقدير الاتفاقيات والتعهدات، وتحديدا فيما يخص مسألة اتفاقيات السلام مع الفلسطينيين، وشهد بذلك القاصي والداني بمن فيهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، والفرنسي نيكولا ساركوزي.

والسؤال: ما هي جذور هذه العقيدة الشخصية للرجل؟ كشفت ملامح هذه الجذور والعالم يتذكر وفاة والده بنزايون نتنياهو مؤخرا وسجل حياته ثري ومليء بالمواقف المتطرفة الكفيلة بشرح عقيدة وعقلية ابنه.

بنزايون (الذي يعني اسمه بن صهيون) كان مدافعا قويا جدا عن فكرة الصهيونية السياسية وحق اليهود الأبدي في العيش على جميع أراضيهم التاريخية «على الرغم من كونه يهوديا غير ملتزم دينيا» في الوقت نفسه.

كان الرجل المساعد الإداري الأول لفلاديمير جابوتنسكي قائد المجموعة اليمينية المتطرفة «مراجعي الصهيونية»، وهي مجموعة سبقت حزب الليكود في حقبة الانتداب البريطاني على أرض فلسطين، وكان «ضد» توجهات اليسار الصهيوني بقيادة بن غوريون الذي اعتبره ناعما ومسالما، وكان يعتقد بالحق الكامل لليهود في الاستيطان على ضفتي نهر الأردن، وساهم شخصيا في الضغط على الرئيس الأميركي هاري ترومان للاعتراف السريع بإسرائيل ودعمها من قبل الرئيس التالي دوايت أيزنهاور.

وعاد نتنياهو الأب إلى إسرائيل بعد فترة ليست بالقصيرة قضاها في أميركا ليكشف أن هناك قائدا جديدا على الأرض بالنسبة لليمين المتطرف، وهو زعيم عصابة «أرغون» الإرهابية الأسبق مناحم بيغن، ويكون هو قائد حركة «مراجعي الصهيونية»، ولكن مناحم بيغن كان يعتبر نتنياهو الأب «متطرفا وعنصريا»!

وطبعا كانت لحظة فوز بنيامين نتنياهو بالانتخابات سنة 1996 بفارق ضئيل جدا عن منافسيه وانتخابه كأصغر رئيس وزراء لإسرائيل سنا في تاريخها، كانت بمثابة نصر خاص للأب، وكذلك لحظة عودته للقوة والمنصب في عام 2009 بعد أن خسر ابنه يوناتان الطيار الحربي الذي قضي في عملية إنقاذ ركاب إسرائيليين مختطفين في مطار عنتيبي بأوغندا.

بنزايون نتنياهو الذي مات عن عمر تجاوز 102 كان قد ولد في العاصمة البولندية وارسو وهاجر مع أسرته بعد بلوغه العاشرة من العمر إلى فلسطين يصاحبه والده المولود في ليتوانيا، وهو حاخام متمرس ناثان ميلوكوسكي، وبعدها غير اسم عائلته إلى نتنياهو، وهي كلمة عبرية تعني «عطية الرب». على عكس أبيه المتدين والملتزم بيهوديته الدينية كان بنزايون يعيش حياته بعلمانية حقيقية ولكنه كان شديد التطرف السياسي في معتقده الصهيوني، ولكن كان في حكمه على إسرائيل والتاريخ والعالم يبدو وكأنه أكثر علماء التلمود وأبناء بني إسرائيل تطرفا وتشددا، ولقد انعكس كل ذلك بشكل جذري على شخصية الابن بنيامين.

والكل في إسرائيل يتذكر أحد إعلانات حملة نتنياهو الانتخابية على التلفزيون الإسرائيلي، وهو يظهر الأب والابن يلعبان الشطرنج والأب يقول: «تحتاج العزيمة لتقرر ولتفعل ما هو غير محبوب ولا مرغوب والذي سيكون في الخاتمة بمثابة إنقاذ البلاد»، وهذه العقلية تحولت إلى فكر اليمين المتطرف في إسرائيل بشكل عام، والليكود وبنيامين نتنياهو بشكل خاص.

كان الأب لا يثق في الغرب ولا في المسيحية، فلديها آراء خطيرة ومثيرة للجدل عن «الدم اليهودي» في الملكيات الإسبانية، وكيف أنهم كانوا يهودا في السر لأن الحقد المسيحي كان يخيفهم فلا يظهرون حقيقة انتمائهم الديني! وبقي يقول إن إسرائيل وحدها لا الغرب ولا المسيحية قادرة على حماية اليهود حول العالم.

كل ذلك الفكر والمشاعر تجري في دماء وعروق وعقل وقلب الابن نتنياهو، فإذا عرف السبب بطل العجب. لن يكون هناك سلام ولا وعود تنفذ طالما بقي بنيامين نتنياهو في حكم إسرائيل، هذه هي الحقيقة الصارخة.

[email protected]