يا أهل «الربيع العربي» تأملوا فرنسا

TT

خطابا الرئيس الفرنسي المهزوم والرئيس المنتخب الجديد درس بليغ في أدب الممارسة السياسية الديمقراطية، فساركوزي، وهو حالة نادرة بين الرؤساء الفرنسيين الذين لم ينجحوا في الفوز بولاية ثانية، خرج لجمهوره وأنصاره بعد إعلان نتيجة الانتخابات التي لم تأت لصالحه ليقر، في تواضع، بالهزيمة ويقول: لم أنجح، أنا أتحمل المسؤولية كاملة عن الهزيمة، أصبح لفرنسا رئيس جمهورية جديد بموجب خيار ديمقراطي جمهوري، وعلينا أن نكون موحدين ووطنيين كفرنسيين، وأكمل خطابه بتحية منافسه الفائز، داعيا أنصاره إلى احترام الفائز، ومشيرا إلى أن وضعه السياسي سيصبح مختلفا الآن.

أما هولاند الرئيس المنتخب فلم ينس في نشوة خطاب الانتصار أن يوجه التحية، رغم صيحات الاستهجان من قبل أنصاره، إلى منافسه المهزوم ساركوزي الذي قاد البلاد طيلة 5 سنوات، ويستحق بهذه الصفة، وفقا لكلمات هولاند، كل احترامنا.

مهزوم وفائز في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، والفارق بينهما في عدد الأصوات يقل عن نسبة 4%، فبينما صوت نحو 18 مليون ناخب لصالح هولاند، صوت 16.9 مليون لساركوزي، ولن يعترض أحد على ذلك، وسيقبل الـ16.9 مليون، وكذلك الـ2.1 مليون الذين وضعوا أوراقا بيضاء في صناديق الاقتراع بالرئيس الجديد لفترة ولاية 5 سنوات ليكون رئيسهم جميعا حتى لو اختلفوا معه.

قد لا يكون هذا جديدا في الديمقراطيات الغربية التي تشهد مثل هذه الحالات كثيرا حينما يكون الفارق بين المتنافسين ضئيلا ويقبل الجميع بالنتيجة، لكن أهميتها في الدرس الذي تعطيه، بينما تمر بعض جمهوريات «الربيع العربي» بفترة انتقالية عاصفة تتلمس فيها الطريق، أو تحاول أن تضع أولى خطواتها على طريق التعددية السياسية والديمقراطية، وهو كما يبدو طريق طويل، لأن الديمقراطية ليست فقط صناديق انتخاب وأكثرية وأقلية.

الدرس الأساسي، الذي يبدو أن كثيرين وضعوا أعينهم عليه في المنطقة، هو الفارق الضئيل في الأصوات الذي رجح كفة منافس على آخر، وقبل الخاسر بمسؤولية النتيجة، لم يدع أحد إلى مظاهرات أو احتجاجات في الشوارع، أو قال أحد إن الشعب منقسم، على العكس قبل الجميع بالنتيجة، ودعا الجميع إلى وحدة الصف والاصطفاف وراء الرئيس الجديد.

فجزء من العملية الديمقراطية هو طريقة قبول الخسارة، طالما أن المنافسة مفتوحة وشفافة، وأن يرضى الفريق المهزوم، مثل حالة ساركوزي وهو بالملايين، أنه خسر، بينما يؤمن الفريق الفائز بأن معنى الفوز ليس الجور على الآخرين الذين لم يصوتوا له، وأن يكون الرئيس الجديد للجميع يأخذ هواجس الذين لم يقفوا معه مع الذين أيدوه.

لم تصل الديمقراطيات الغربية إلى هذا الوضع إلا بعد طريق طويل من الممارسة، ومن العمل السياسي لأحزاب ومؤسسات راسخة، ودرجة وعي معينة لدى الناخب والمجتمع، لكن كما يقال: طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، وإذا لم تخط هذه الخطوة أيا كانت صعوبتها، فلن تقطع الألف ميل أبدا.

وقد تكون أقرب الجمهوريات العربية التي تحتاج إلى تعلم الدرس مما حدث في فرنسا يوم الأحد وخطابي ساركوزي وهولاند، هي مصر التي ستخطو خلال أسابيع أول تجربة انتخابات تعددية حقيقية، المؤشرات تشير إلى أنها ستكون شفافة عن سابقاتها لرئيس جديد لا يعرف أحد مسبقا من الذي سيفوز بها، وسيكون هذا امتحانا صعبا ليس من زاوية من الذي سيفوز، ولكن كيف سيتصرف الفريق المهزوم، وكيف سيتعامل المنتصر، وهل يتوحد الجميع حوله لتبدأ صفحة جديدة، أم يستمر الانقسام، ومحاولة فرض الآراء بالقوة.