أيها الطريق (405).. كم أكرهك

TT

لا أدري بماذا أسمي هذا!..

أكثر من (90 في المائة) من سكان ما يسمى بـ(العالم الثالث) يشتمون إن لم يلعنوا البلاد الأوروبية ومعها أميركا بالذات، وفي آخر الاستطلاعات الموثقة وجد أن أكثر من (640) مليون إنسان في مختلف أنحاء العالم يريدون الهجرة من بلادهم، و(90 في المائة) منهم هم من أبناء (العالم الثالث)، والمضحك المبكي أن (90 في المائة) منهم أيضا يريدون الهجرة إلى أوروبا وأميركا بالذات، وهي البلاد التي كانوا ولا يزالون يشتمونها ليل نهار.. إذن كيف نفهم ذلك؟!.. هل هم مع احترامي ومحبتي لهم ينطبق عليهم المثل القائل: (حسنة لله وأنا سيدك)؟!

وهذا الاستطلاع يقودني إلى تاريخ قديم في أميركا، وتحديدا إلى مؤسسة أميركية أنشأها القس البروتستانتي الأميركي الزنجي (روبرت فينالاوي) عام (1816)، واسمها (المؤسسة الأميركية للاستعمار)، وذلك احتجاجا ونقمة على التمييز العنصري في أميركا، ومعه كامل الحق في ذلك الوقت، لكن مثلما يقول المثل الشعبي: (ما كل منصح مصيب).

ذلك (القس) المتحمس دعا أتباعه للهجرة إلى أفريقيا طلبا للحرية.

كان الرجل خطيبا مفوها إلى درجة أن مئات الآلاف من الأميركان الزنوج استجابوا لدعوته، وسهلت لهم الهجرة الحكومة الأميركية في ذلك الوقت، وجهزت لهم السفن اللازمة، بل إن (الكونغرس) أمدهم بالأموال اللازمة لاستصلاح الأراضي هناك.

وانطلق القس الجهبذ على رأس أول رحلة، وتبعته بعد ذلك عشرات السفن تحمل ما لا يقل عن (200) ألف مهاجر أميركي أسود إلى أرض الأجداد في أفريقيا لكي يستنشقوا رياح الحرية، وأسسوا وقتها ما يعرف اليوم بـ(ليبيريا) - وهي تعني (الحرية).

ودارت الأيام والأعوام دورتها التي لا ترحم، وإذا بـ(ليبيريا) الآن تعتبر من أفقر دول أفريقيا بل والعالم بأسره، وأحزنني ما ورد في تلك الإحصائية التي ذكرتها في أول المقال، حيث جاء فيها أن (37 في المائة) من سكان ليبيريا يودون الهجرة إلى أميركا، ولولا الكسوف من بعضهم لكان (90 في المائة) منهم يودون الرجوع إليها.

لا بد أن أستدرك لكي لا يفهمني أحد خطأ، فأنا لست من عشاق أميركا، ولي الكثير من التحفظات عليها وعلى بعض سياساتها، ولو أن أحدا خيرني بين العيش في أي البلاد لكانت أميركا آخر البلاد التي أود العيش فيها، وذلك فقط لأنني كنت يوما أقود سيارتي في طريق (405) العريض السريع من (نيوبورت) إلى (لوس أنجليس)، وخففت السرعة قليلا من دون أن أفطن، وإذا بالسيارة التي كانت خلفي (تصدمني)، وحصلت تداعيات وتصادمات لعشرات السيارات من جراء ذلك، وتوقف السير لأكثر من ساعة كاملة، ونتجت عن ذلك غرامات وتوقيفات لا أريد أن أوردها، ليس خجلا لا سمح الله، لا أبداً، ولكن خوفاً من شماتة البعض ممن يترصدون سقطاتي وما أكثرها، ثم يذيعونها على كل الموجات، بل وقد لا يتورع البعض منهم عن نشرها بـ(الإنترنت) وكأنني بذلك ساحر النساء (جورج كلوني).

وقبل أيام فرحت جدا عندما عرفت أن بلدية (لوس أنجليس) قد أغلقت طريق (405) المشؤوم لمدة تسعة أشهر، ولزم الكثير من الأزواج منازلهم تفاديا لازدحام الشوارع. والغريب أنه نتجت عن ذلك زيادة في المواليد (10 في المائة) عن الفترة الماضية.

ولا أدري إلى الآن ما سبب تلك الزيادة!

الحمد لله أن طريقي في الحياة سالك وهادئ وآخر (آلسطة)، لا فيه (لا كاني ولا ماني).

[email protected]