الاتحاد الخليجي والمترددون!

TT

أمران لا أفهمهما على الإطلاق، وهما: لماذا لا تشرح الدول الخليجية المتحمسة للوصول إلى مرحلة الاتحاد أسبابها؟ والآخر: لماذا لا يقول المتحفظون أيضا أسبابهم؟ فكلا الطرفين ملتزم بالصمت، بينما نجد جدالا إعلاميا، وثقافيا، وقد يكون هذا الجدال يعكس وجهتي نظر المؤيدين والمترددين، لكن لم نسمع حديثا واضحا بعد!

فوصول دول مجلس التعاون الخليجي إلى مرحلة الاتحاد ليس بالترف السياسي، أو المالي، بل إن هناك عوامل كثيرة تبرره، فهناك النظام الإيراني المتربص والذي لا يتوانى عن تسخير كل الإمكانيات للنيل من المنطقة، وعلى وجه التحديد دول الخليج العربي، على عكس الخليجيين الذين يسخرون أموالهم لبناء أوطانهم، وبالتالي فإن انفراد كل دولة خليجية بسياسات مختلفة، أو إنفاق عسكري مختلف وخلافه، سيكون بمثابة الاستنزاف، والقصة ليست إيران وحدها، فأوضاع العالم العربي كلها مضطربة وغير معلومة الملامح، والاعتقاد السائد لدى كثير من المتخصصين ومراكز الدراسات، وحتى بعض المنظمات الدولية، أن المنطقة العربية ستكون غارقة في فوضى لقرابة السنوات العشر المقبلة! ومن يتأمل واقع اليمن حولنا، أو العراق، أو سوريا، سيعي خطورة هذه الأوضاع من دون شك.

والقصة لا تقف هنا، فعندما ترى دول الخليج ما يحدث في سوريا، مثلا، من قتل ممنهج على يد النظام الأسدي، وعلى الرغم من وصول أعداد القتلى السوريين إلى قرابة الاثني عشر ألفا، فإن المجتمع الدولي لا يزال يقف موقف المتفرج. وهنا يجب أن نسأل أنفسنا سؤالا محددا: ماذا لو قامت إيران باحتلال أو ضرب إحدى الدول الخليجية؟ فهل نتوقع من الغرب أي تحرك فعلي لردع إيران؟ وبعيدا عن إيران، فأمر معلوم أنه لدى أبناء دول المجلس طموح كبير في الارتقاء بصيغة التعاون الخليجية وصولا لحالة الاتحاد، فكلنا يذكر - وهذه أمور موثقة - أنه مع كل اجتماع قمة خليجية يخرج النخب والمثقفون منتقدين بطء المجلس، ويقولون انظروا ماذا فعل الأوروبيون وانظروا أين مجلسنا الخليجي؟ واليوم عندما يراد لمجلس التعاون أن يصل إلى صيغة الاتحاد تبدأ المناكفة.. أمر عجيب فعلا!

فإذا كان الخوف لدى البعض هو من تدخل دولة في شؤون الأخرى فهذا أمر غير وارد، وغير مقبول، ولا أحد ينادي بذلك، وإذا كان أحد يخشى من اختلال في التركيبة السكانية فهي واقعة في كثير من دول الخليج، وإن حدث أمر ما فإنها ستعتدل ولن تسوء، وإذا كان البعض يخشى من استفراد الشقيقة الكبرى السعودية، فكلنا يسمع الهمس الخليجي خلف الأبواب المغلقة انتقادا لحالة البطء السعودية في بعض القضايا السياسية، ويقولون كيف نتحرك دون الثقل السعودي؟ فكيف يخشى إذن البعض اليوم من الشقيقة الكبرى، خصوصا إذا تذكرنا أن قدر تلك الشقيقة هو التصدي لكل خطر يحيق بالمجلس. وأبرز مثال هو تحرير الكويت، والتصدي للإرهاب، وإيران، وغيرها من القضايا؟ فالسعودية دائما بوجه المدفع سواء اتحد المجلس أو لم يتحد، فهذا قدر الرياض!

المراد قوله أن الاتحاد ضرورة وليس بترف، وواجب الجميع إنجاحه، وتحويله إلى حقيقة، فما يجمع دول الخليج أكثر مما يفرقها، حتى بتشابه الأعداء والمخاطر.

[email protected]