كان بشرا وحبيبا

TT

يقدِّم الصافي سعيد مؤلفه عن حياة الحبيب بورقيبة على أنه «سيرة شبه محرمة». عاش بورقيبة على مدى القرن الماضي، مولودا العام 1903 مودعا العام 2000 (3 أغسطس/ آب 1903 – 6 أبريل/ نيسان 2000). غلب اسمه على تونس في سنوات النضال، مشردا في كل عاصمة عربية، وغلب اسمه عليها سنوات الاستقلال والبناء وفورات العرب في كل مكان.

كان يظهر على شعبه كل يوم، ويظهر دائما على العرب، ويجول في عواصم العالم، لكننا لم نعرف عنه الكثير. هذا ما يتأكد لنا عندما نقرأ السيرة التي وضعها بعيد وفاته الصافي سعيد (دار رياض الريس) تحت عنوان شاسع ومختصر: «بورقيبة». يقدم الصافي سعيد سيرة على الطريقة الغربية: لا خطب ولا تمجيد ولا نكران. فموضوع الكتاب رجل وإنسان. ومثل كل إنسان هو مجموعة مراحل وعناصر وعادات وضعف وقوة. ومثل معظم الحكام يحب ويكره. يتزوج ويطلق. وعند الضرورة يزيح خصمه الخطر من الطريق. فعندما دخلت زوجة صالح بن يوسف إلى غرفته في أحد فنادق فرانكفورت أطلقت صرخة سمعتها المدينة: كان مضرجا بدمائه منذ ست ساعات.

جاءه إلى الفندق ذلك النهار ثلاثة تونسيين استقبلهم في البهو بترحاب. ثم خرج الثالث وصعد الاثنان الآخران معه إلى الغرفة. وبعد قليل غادرا بكل هدوء، ولكن مباشرة إلى المطار ومنه إلى روما ومن روما إلى تونس. عندما وصلت الشرطة الألمانية كان الثلاثة قد صاروا في منازلهم يتناولون طعام العشاء.

كان بورقيبة أيضا رجل دولة من طراز نادر. لا يخفي شارل ديغول في «مذكرات الأمل» إعجابه وتقديره للرئيس الذي يظهر براعة في اللغة وفي المواقف. وكان رجل قيادة يعرف كيف يجتذب محبة الناس وثقتهم. وكان يعرف كيف يتحسب للسياسة والسياسيين، وقد ظل متأهبا إلى أن غافله العمر والأصدقاء ووزير داخليته.

كان قصر قرطاج مسرحا بشريا متنوعا ودراميا لرجل بدأ حياته بدراسة التمثيل. الزواج الأول من أرملة فرنسية تكبره باثني عشر عاما، هي أم ابنه الوحيد. ثم زواجه من وسيلة بن عمار التي يعرفها منذ 29 عاما، فيما هي في الخمسين وهو في الحادية والستين. ولكن الوسيلة بن عمار لن تكون مجرد زوجة مثل الفرنسية الهادئة التي أشهرت إسلامها في السبعين من العمر، ولم يعد لديها من مطلب سوى العيش كأم مسلمة. الوسيلة أصرت على الشراكة في السلطة. كانت تغلق أبواب قصر قرطاج وتفتح نوافذه لرمي من لا تريد.

كان الراحل محمد مزالي، رئيس الوزراء الموعود بالخلافة، يقول لك: «لكنك لم تدعني أكمل لك كيف تآمرت عليّ الماجدة وسيلة بن عمار». لم يكن يدرك هذا الأديب والرياضي أن قصته مجرد فصل آخر! 400 صفحة من القراءة الممتعة والأسلوب الخافق، وبعض الهفوات التاريخية التي كان يمكن تجنبها بسهولة.