محجوب عبد الدايم

TT

التقيته في كل مكان.. ليس تقريبا؛ بل حتما.. في مهنتي وفي كل مهنة أخرى.. في مجتمع بيروت وفي مجتمع «القاهرة الجديد» وفي لندن وباريس وكل مدينة أخرى.. وفي كل مكان كان يحمل اسما واحدا: محجوب عبد الدايم. لا شيء يرضي محجوب ولا يعجبه أحد ولا يفرحه شيء.

لكن محجوب عبد الدايم لم يحقق في حياته شيئا ولم يبلغ شيئا سوى الامتعاض. كل ما حوله لا يساوي شيئا.. كل قضية لا تعني شيئا.. كل نجاح يستحق ازدراء.. كل كفاءة لا اعتراف بها.. كل عاطفة شعور سخيف.. وكل شيء يقابله محجوب عبد الدايم برد فعل لا يتغير: «طز».

هو مثال العدميين الفاشلين الذين لم يحققوا شيئا في حياتهم سوى تلك الكلمة التي تثير قرف السامعين. حاول محجوب عبد الدايم أن يساوي كل القيم والنجاحات بفشله وإخفاقاته وقصوره وعقد النقص فيه، ولم يجد شفاء إلا المضي في عدميته: «طز».

تجنب نجيب محفوظ الألفاظ النابية على الرغم من لجوئه الدائم إلى العامية، لكن لم يجد اختصارا لمحجوب عبد الدايم، هذا المثال من الفاشلين، سوى هذا التعبير السوقي. يخيل إلى العدمي الذي يزدري الجميع أنه يتمتع بإعجاب الآخرين، ويعتقد أن غروره إنجاز في سيرة فاشلة. تقول الروائية حنان الشيخ إن أهم ما تعلمته من إحسان عبد القدوس، هو أن لا تقلل من قيمة أحد.. كان يقول لها إن الشباب يمنعك من رؤية المحاسن المخفية عند الآخرين، لكن في كل مخلوق ميزة ما. كانت تعبر له عن ازدراء لبعض الفنانين، فكان يقول: غدا تغيرين رأيك.. الخطأ ليس فيهم، بل في عدم مقدرتك على التقدير.

وقعت شابا في فخاخ الأحكام الشابة.. كنت أبني رأيا في رجل بناء على رأي صديق لي، من دون أي تمهل أو بحث.. وطبعا من دون أن أعرف كيف ولماذا بنى صديقي رأيه. تعلمت الدرس قاسيا مع العمر، ولم أعد أطيق الجلوس مع محجوب عبد الدايم أو الإصغاء إليه، فهو فرد يمثل ميوعة الخلق حيال الجماعات التي تمثل العكس.. إنه مجرد نموذج آخر في أخلاقيات نجيب محفوظ ودروسه الاجتماعية العميقة وروح التسامح والهناءة التي نشرها في سطوره منذ اللحظة التي أمسك فيها قلما وورقة.

ثم رأينا محجوب عبد الدايم على رأس دولة بأسرها.. يحتقر الأمم والقانون والعلاقات مع الدول والشعوب، ويزدري خصوصا شعبه ويعامله كمجموعة عبيد. وكلما حاول أحد أن ينبهه إلى سوء ما هو فيه، رد بكلمة واحدة: «طز». كلمة عدمية ركبها إلى العدم في أسوأ رحلة عرفها مستكبر.