اجتماع أصدقاء اليمن.. المساعدة للوقوف على قدميه

TT

تلتقي 39 دولة ومنظمة في الرياض اليوم في أول اجتماع وزاري منذ نحو عامين لمجموعة أصدقاء اليمن. يتبين من الهجوم المستنكر الذي وقع في صنعاء يوم الاثنين الماضي، والقتال المستمر لمكافحة تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، حجم التهديد الأمني الذي يواجهه اليمن.. لكن يجب أن لا تغيب عن بالنا أيضا الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والسياسية الحساسة والهشة في اليمن، التي تتعين معالجتها عاجلا وبما يماثل ذلك من عزم.

إن الحكومة البريطانية، إلى جانب شريكتيها في ترؤس لقاء أصدقاء اليمن؛ المملكة العربية السعودية وجمهورية اليمن، تقود الجهود الرامية لمساعدة اليمن على حل مشكلاته. ونحن ملتزمون بدفع قضية اليمن لتحتل الأولوية على أجندة المجتمع الدولي، وآن الأوان لبث الحماس في شركائنا والعمل معا على مساعدة اليمن ليخطو على الطريق تجاه مستقبل أكثر أمنا ورخاء.

لقد قطع اليمن شوطا كبيرا منذ اندلاع الاضطرابات في عام 2011. وشهدنا في ذروة الربيع العربي صحوة سياسية بين مئات الآلاف من اليمنيين الذين كانوا غير راضين عن حكومتهم وطالبوا بالتغيير لمعالجة الأزمة الاقتصادية والإنسانية في اليمن.

وبعد نحو عام كامل من المأزق السياسي والاضطرابات المدنية، وافق الرئيس السابق علي عبد الله صالح على نقل السلطة سلميا في سياق عملية انتقال سياسي اقترحتها دول مجلس التعاون الخليجي. وقد خرج اليمنيون في شهر فبراير (شباط) الماضي بحشود كبيرة لإبداء دعمهم للتغيير السياسي حين انتخبوا الرئيس عبد ربه منصور هادي. كان ذلك الجزء الأول من عملية ستفضي لمشاركة أكبر للمواطنين اليمنيين، خصوصا النساء والشباب.

إن المرحلة الأولى الناجحة من عملية الانتقال السياسي في اليمن هي نموذج لما يمكن تحقيقه حين يتوافر العزم والإرادة اللازمان، وبدعم دولي قوي، خصوصا من دول مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة.

ويتعين الآن على المجتمع الدولي مساعدة اليمن في البناء على الزخم المتولد عن تعيين الرئيس هادي لأجل تحقيق إصلاحات حقيقية وعملية للشعب اليمني.

تلك ليست بمهمة يسيرة؛ حيث يواجه الرئيس هادي وحكومة تقاسم السلطة تحديات هائلة. فما زال اليمن يعاني من تحديات أمنية هائلة ويفتقر للاستقرار السياسي والاقتصادي.

وكان الاقتصاد اليمني بحالة هشة أصلا قبل الاضطرابات التي اندلعت العام الماضي، وما زال يعتبر أكثر دول الشرق الأوسط فقرا، ونسبة البطالة والأمية فيه مرتفعة جدا، والخدمات والبنية التحتية فيه غير مناسبة أبدا. كما أدى الصراع في اليمن وفي دول مجاورة له إلى تفاقم مشكلات اليمن. فقد اضطر نحو نصف مليون يمني للنزوح نتيجة الصراع في شمال البلاد والعنف في الجنوب. وقد علق المواطنون اليمنيون في وسط صراع مسلح لفترة طال أمدها، وقدرتهم على تحمل ذلك الوضع لفترة أطول باتت في خطر كبير. ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، هنالك نحو 10 ملايين يمني لا يحصلون باستمرار على ما يحتاجون من أغذية، ونحو مليون طفل تحت سن الخامسة يعتقد بأنهم يعانون من حالة سوء تغذية شديدة.

وإدراكا منا لكل التحديات التي يواجهها اليمن، نتوجه إلى الرياض وكلنا عزم على التعاون مع الحكومة اليمنية ومع شركائنا لدعم اليمن في عملية الانتقال التي يمر بها، واتخاذ خطوات ملموسة تجاه الإصلاح الاقتصادي والسياسي والأمني. ومن المناسب جدا أن يعقد هذا اللقاء في المملكة العربية السعودية التي بذلت الكثير جدا لتخفيف معاناة الشعب اليمني. وإننا نتطلع قدما لمناقشة خطط عمل الحكومة اليمنية بشأن الإصلاح، وبحث السبل التي يمكن للمجتمع الدولي من خلالها تقديم مساعدة حقيقة لليمن طوال العامين المقبلين.

لا بد أن تتضمن خطط اليمن حوارا وطنيا يشمل جميع اليمنيين للتوصل لإجماع بشأن الإصلاح الدستوري والانتخابات. كما نأمل أن نشهد إحراز تقدم في قانون العدالة الانتقالي الذي يهدف إلى تسهيل المصالحة وعملية التعويض. ومن الضرورة بمكان تنفيذ هذه الإصلاحات تماشيا مع الجدول الزمني المتفق عليه في مبادرة مجلس التعاون الخليجي.

لن يتمكن اليمن من العودة للوقوف على قدميه وتوفير احتياجات شعبه إلا بمعالجة حالة عدم الاستقرار الناجمة عن التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية المستمرة. وبينما نساعد اليمن على تحقيق ذلك، من واجبنا بصفتنا أعضاء مسؤولين في المجتمع الدولي أن نتحرك لتخفيف آثار الفقر في اليمن. وتواصل الحكومة البريطانية تقديم مساعدات ومعونات كبيرة للمساهمة في تخفيف الأزمة الإنسانية الكبيرة التي تمسك بتلابيب اليمن.

إن مصير اليمن يعني ملايين اليمنيين الذين يعانون من المجاعة ولا يستطيعون العثور على فرص عمل أو إيجاد أماكن آمنة ليعيشوا فيها، لكن لمستقبله أيضا تداعيات أوسع نطاقا على أمن ورخاء المنطقة ككل.

وإذا ما فشل اليمن في إكمال عملية الانتقال وتحقيق الاستقرار، فهنالك خطر حقيقي بأن ينحدر تجاه حرب أهلية سيكون لها أثر مدمر على شعب اليمن الصامد الذي يعاني منذ أمد طويل، وعلى مصالح الدول المجاورة له، كما سوف يضر بالجهود الدولية الرامية للقضاء على التهديد المتمثل في التطرف العنيف. وذلك سوف يسهل على أتباع «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية» استخدام اليمن مركزا يهددون، انطلاقا منه، استقرار المنطقة والمملكة المتحدة والأمن الدولي.

لهذا السبب، علينا تجنب أي تأخير في جهودنا المتضافرة؛ حيث إن تكلفة الفشل كبيرة جدا. ونحن نأمل أن يكون اجتماع أصدقاء اليمن في الرياض خطوة كبيرة يخطوها اليمن نحو المستقبل، حيث يمكن لكل المعنيين بمستقبل اليمن العمل نحو تحقيق إصلاح حقيقي ومستدام لأجل مصلحة كل اليمنيين.

* وزير شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية

* خاص بـ«الشرق الأوسط»