مستقبل الجيش المصري؟

TT

ما هي وضعية المؤسسة العسكرية المصرية عقب تسليم سلطة إدارة البلاد إلى سلطة مدنية منتخبة بشكل ديمقراطي؟

هذا هو السؤال العظيم المطروح منذ أن أعلن المشير محمد حسين طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة المصرية في خطاب رسمي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بأن الجيش سوف يسلم السلطة في موعد أقصاه نهاية شهر يونيو (حزيران) من هذا العام. إذن الجيش سوف يسلم السلطة، والرئيس المنتخب سوف يتسلمها. منذ تلك اللحظة برز السؤال التاريخي الذي لم تتم أي عملية تفاوض أو حوار عليه بين الجيش والإخوان حتى الآن: كيف ستتم عملية التسليم والتسلم وما هي وضعية الجيش عقب تسليم السلطة؟ اعتقد الجيش بثقة زائدة أن الأمر تحصيل حاصل وأنه بلا شك، سوف يتم الحفاظ على وضعيته الدستورية والفعلية، واعتقدت جماعة الإخوان بثقة زائدة أيضا أنها، بعد أن حصلت على الأغلبية النيابية فهي ليست بحاجة بأي شكل من الأشكال «لحماية» أو «لتأمين سياسي من الجيش»! وهكذا تدق عقارب الساعة معلنة اقتراب تسليم السلطة وليس هناك أي ورقة رسمية واحدة أو حتى اتفاق شفهي بين جماعة الإخوان «صاحبة الأغلبية» والجيش «صاحب القوة العسكرية» حول مستقبل البلاد.

الإخوان يريدون أن يفاوضوا الجيش عقب أن يفوز مرشحهم بمنصب الرئاسة مما يعطيهم، من وجهة نظرهم، موقفا تفاوضيا، فيه اليد العليا.

والجيش يريد حسم الأمور قبل مغادرته للسلطة لأن ذهاب أي جيش إلى ثكناته دون تحديد وضعيته مع السلطة المدنية خطر داهم عليه وعلى المجتمع المدني الذي يعيش فيه.

وأزمة مصر أن حكماءها فقدوا القدرة على البصيرة السياسية النافذة القادرة على لعب دور «الوسيط» الوطني الفعال الساعي إلى وصول طرفي معادلة الاستقرار في البلاد إلى نقطة توافق تنقذها من احتمال أي صدام، وتكون بمثابة «وثيقة تأمين سياسية» ضد أي انقلاب عسكري. وأستطيع أن أؤكد جازما، بكل ضمير، وبلا أي خوف أن تسليم السلطة إلى أي رئيس كائنا من كان دون وجود نصوص صريحة وواضحة حول وضعية المؤسسة العسكرية في الحياة المدنية هي دعوة مفتوحة إلى تفجير الحياة السياسية في مصر قصر الزمان أم طال الأمد.

حتى هذه اللحظة لا أفهم شعور ساسة العالم العربي تجاه فكرة «التفاوض البناء» بهدف الوصول إلى تسوية محترمة للقضايا والمسائل الحيوية في حياتنا. نتعامل مع فكرة التفاوض كأنها «نجاسة» تخرج الإنسان من محراب السياسة!

الحوار هو الأسلوب الوحيد المتحضر للتفاهم، والتفاهم هو مقدمة فهم الآخر، وفهم الآخر هو مقدمة التفاوض، والمفاوضات هي المحطة النهائية التي لا بديل عنها لتسوية المشاكل العظمى!