ما كل ناثر شاعر.. وما كل شاعر ناثر

TT

الأربعاء قبل الماضي كتبت مقالا بعنوان: العقاد عندما يركب رأسه، ونلت من الانتقادات ما جعل الأخت (فاطمة الزهراء مرسي)، تكتب لي قائلة: لقد نلت اليوم من الانتقادات من قرائك ما يجعل العقاد يسعد في قبره.

ولو أن بعض المنتقدين أعادوا قراءة مقالي بإنصاف لوجدوني امتدحت العقاد وأعليت من شأنه كمفكر كبير، ومأخذي الوحيد عليه هو ركوبه صهوة الشعر عسفا، فليس كل ناثر يستطيع أن يصوغ الشعر، وبالمقابل ليس كل شاعر عظيم من الممكن أن يكون ناثرا متمكنا، ومثلما ضربت المثل بالعقاد كشاعر (أقل من المتوسط)، فها أنذا اليوم أضرب المثل (بأحمد شوقي) كناثر كذلك (أقل من المتوسط)، وإليكم ما يصف به (الغد) عندما يقول: غيوب محجوبة، وحجب مضروبة، وأقدار مكتوبة، أعمار موهوبة أو منهوبة، وأرزاق مجلوبة أو مسلوبة، بريد الملك القهار، موعده حواشي الأسحار أو غرة النهار، حملت الفجاءات نجائبه، واشتملت على المستجدات حقائبه، وبلغت مستقرها مغرباته وجوائبه أقبل ففض المختوم، وظهر المكتوم، وانفجر المحتوم، وإذا مناعٍ وبشائر، وإذا دولات ودوائر، واعلم يا ابن الأيام أن الغد أعده الله لك خير ما أعده، ومده لك أيمن ما مده، هو الشخص الثالث، في رواية الأيام والحوادث، والخلف من صاحبيه والوارث، وهو معقد الآمال، وموعد استئناف الأعمال ومرمى همة المال، تنام الأنفس وفي إيمانها منه شك، وفي إيمانها منه صك، فاعمل له ما استطعت، وانتظره أتى أم لم يأت، وقل سبحان الذي أتى به، والذي هو قادر على طي كتابه يوم يأتيه أمره فلا يبرز من حجابه.

أي (عك) مسجوع متصنع أكثر من هذا الكلام الذي يشبه الهذر؟! يا ليت شوقي لم يقله ولم يورط نفسه فيه، وهو الغني عنه.

ولكن بالمقابل اقرأوا معي، أو بمعنى أكثر دقة اسمعوا معي ما أبدعه وهو يقول على لسان (قيس بن الملوح):

جبل التوباد حياك الحيا

وسقى الله حمانا ورعى

فيك ناغينا الهوى في مهده

ورضعناه فكنت المرضعا

وحدونا الشمس في مغربها

وبكرنا فسبقنا المطلعا

وعلى سفحك عشنا زمنا

ورعينا غنم الأهل معا

هذه الربوة كانت ملعبا

لشبابينا وكانت مرتعا

كم بنينا من حصاها أربعا

وانثنينا فمحونا الأربعا

وخططنا في نقا الرمل فلم

تحفظ الريح ولا الرمل وعى

لم تزل ليلى بعيني طفلة

لم تزد عن أمس إلا أصبعا

ما لأحجارك صما كلما

هاج بي الشوق أبت أن تسمعا

كلما جئتك راجعت الصبا

فأبت أيامه أنت ترجعا

قد يهون العمر إلا ساعة

وتهون الأرض إلا موضعا

بعد هذه المقارنة (أظن) - والله أعلم - أن معي كامل الحق فيما أوردته في مقدمة هذا المقال.

ولأول مرة أصدق على كلامي، وإذا كان لأحد منكم رأي يخالف رأيي فليقله، فروحي رياضية.

[email protected]