كيميائيات

TT

أقرأ كثيرا عن علم الجينات، فأشعر أنني أعرف أكثر وإن كنت لا أفهم أكثر. وفي محاضرة للدكتورة أمل عبد العزيز الهزاني، قالت إن العلم يتجه الآن إلى رد كل شيء في حياتنا إلى الجينات، وهي نظرية، مثل كل شيء علمي تنتظر الإثبات. وكنت أعتقد أن الزميلة دكتورة في الآداب أو العلوم السياسية، لكن قيل لي إنها أستاذة في الكيمياء، الذي أسميه، لغرض التبسيط، علم مزج المواد، أو البناء عليه.

وهو علم غريب، أو بالأحرى عجيب. ليس في الطبيعة وحدها بل في الإنسان أيضا. فكما نرى وردة أزهرت من الشوك نرى في البشر أشواكا تزهر من الورد. وأحيانا العكس. كان بنيتو موسوليني، الدوتشي (القائد) من أسوأ الحكام في تاريخ إيطاليا. لكنه جاء بالفكر الفاشي من فلسفة أفلاطون الذي تأثر به. تشرب الفكر الأفلاطوني وأدخل فيه شيئا من طبعه وخلقه، فكان ذلك المزيج السفيه والتدميري. لا تسلم الحكمة إلى السفهاء، لأنك لن تعرف إلى ماذا سوف تتحول.

هتلر ولد من موسيقى فاغنر. تخيل أن تولد حرب عالمية من الموسيقى. لقد أساء سماعها كما أساء موسوليني قراءة أفلاطون. عندما لا يدخل عنصر غريب على الجينات، يرث الابن صفات الأب. مثل الإسكندر ووالده فيليب، عسكري يتجاوز آخر. أو مثل هنيبعل ووالده هملقار برقة، لكن هنيبعل القرطاجي تجاوز كل من سبقه من قادة عسكريين إلى أن عرف بأنه «أبو الاستراتيجية» العسكرية في التاريخ. ولم تستطع روما أن تهزمه وترد جيوشه عن أبوابها، إلا بعدما درست أسلوبه في القتال. عندما أعبر في السيارة آلاف الطرقات التي عبرها مواطني العزيز مع جيش من الأفيال، أقول في نفسي معاتبا: هل كان الأمر يستحق كل ذلك؟ ربما. من يرى جمال روما اليوم، على الرغم من كل ما مر عليها من قِدم وخراب، يخيل إليه أن ذلك التونسي كان يقدر الجمال حقا. وأفتح مزدوجين لأذكر أننا، في لبنان، نتنازع أبوته مع إخواننا في تونس، باعتبار أن قرطاج جاءت من صور.

لم يستطع هنيبعل الوصول إلى روما، التي عاشت أكثر من أي إمبراطورية أخرى في التاريخ. وقد عجز المؤرخون عن تحليل سبب صعودها وأسباب سقوطها. وفي زمن الأفيال والحراب قتل هنيبعل 50 ألف جندي روماني وثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، وانتهى هاربا ثم منتحرا بالسم؛ لأن المسدسات لم تكن قد وجدت بعد، كما في عصر هتلر. وكيف مات نابليون بونابرت، وريث هنيبعل في علم الاستراتيجية؟ أيضا بالسم الذي دس له. ذنب الجينات الصافية أم خليط الكيمياء؟ إني طبعا لست أدري.