مسؤولية «الإخوان» عن المأزق الرئاسي في مصر

TT

نتائج الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية قلبت الطاولة على الكثير من المعادلات والحسابات مثلما حفلت بالكثير من المفارقات، لذلك لم يكن غريبا أن تتراوح ردود فعل الكثير من الناس بين الذهول والصدمة والحيرة والقلق. فالتحليلات التي سبقت الانتخابات ذهبت في مختلف الاتجاهات ما عدا الاتجاه الذي أفرزته صناديق الاقتراع، والذي وضع الناس أمام خيارين أحلاهما مر بالنسبة للكثيرين، وبين مرشحين أحدهما يمثل تيارا يريد الهيمنة على الساحة والاستحواذ على كل مكاسب الثورة، والثاني لا يمثل بالتأكيد روح الثورة حتى وإن أكد أنه حريص على تحقيق أهدافها، وأنه لن يكون استمرارا للنظام القديم الذي كان وجها من وجوهه. المشكلة أن هذه النتيجة التي فاجأت الكثيرين تعني أن انتخاب الرئيس لن يؤدي إلى تهدئة الأمور، بل قد يعني المزيد من التصعيد والاستقطاب والجدل حول ما حققته الثورة، خصوصا بالنسبة لشبابها الذين رأوا أحلامهم تتبخر وآمالهم تتبدد وثورتهم تصادر منهم حتى قبل أن تنتهي احتفالات ميدان التحرير.

ففوز محمد مرسي، مرشح حزب الحرية والعدالة، سيعني أن «الإخوان» والحركات الإسلامية المتحالفة أو المتعاطفة معهم سيهيمنون على الساحة السياسية بالكامل من البرلمان إلى الحكومة والرئاسة، مما سيقود إلى احتقان شديد ومواجهات محتملة مع قوى وأطراف كثيرة تتخوف من نياتهم ومن التزامهم الديمقراطي. أما فوز أحمد شفيق فقد لا يعني بالضرورة إعادة إنتاج النظام السابق، لكنه بالتأكيد سيمثل ضربة موجعة لشباب الثورة الذين تظاهروا ضده، وحسبوا أنهم أطاحوا بكل رموزه، ليجدوا أنفسهم أمام عودة جديدة لآخر رئيس وزراء في عهد مبارك. صحيح أن شفيق قد يحاول جاهدا كسب شباب الثورة، لكنه سيجد نفسه في مواجهة مع أطراف أخرى، خصوصا «الإخوان» الذين يسيطرون مع حلفائهم على الجهاز التشريعي وينتظرون السيطرة على الحكومة، وسيعملون حتما على عرقلة رئاسته، لاسيما أنه تعهد خلال الحملات الانتخابية بتحجيمهم، كما يمثل بالنسبة لهم استمرارا للنظام السابق الذي فرض حولهم طوقا أمنيا قويا.

المفارقة الكبرى في كل ذلك أن «الإخوان» الذين ركبوا سريعا على ظهر الثورة وناوروا على مختلف الأطراف لقطف كل الثمار لأنفسهم، ينادون الآن بإنقاذ الثورة بعدما صموا آذانهم عن مثل هذه الدعوات منذ أن تذوقوا طعم الفوز، وطمعوا في السيطرة على كل مفاصل الحكم. فما أن بدأت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية تظهر، حتى خرجوا يحذرون في بياناتهم وتصريحاتهم من اختطاف الثورة، ويناشدون القوى المختلفة الالتفاف حول مرشحهم لإنقاذها لأنها «في خطر»، مكررين بذلك اللغة التي استخدمها خصومهم للتحذير منهم، فهم يريدون توظيف النتيجة على أساس شعار «مرسي هو الحل» لأن التصويت للمرشح الآخر يعني انتصار الفلول وخسارة الثورة. من هذا المنطلق ربما كان شفيق هو المنافس الأمثل بالنسبة لـ«الإخوان» لأنه ربما يكسبهم المزيد من الأصوات ما دامت المواجهة تنحصر بين وجه من وجوه النظام السابق ومرشح لا يريد بأي ثمن عودة ذلك النظام الذي طاردهم وشدد الخناق عليهم.

الواقع أن «الإخوان» يتحملون قدرا من المسؤولية في هذا المأزق الانتخابي، لأنهم لو كانوا أوفوا بوعدهم بعدم دفع مرشح منهم لانتخابات الرئاسة، والتزموا برفضهم لترشح أي إسلامي لهذه الانتخابات، وبكلامهم عن أن ذلك لن يكون في مصلحة مصر في الظروف الحالية، لما انتهت الأمور إلى ما انتهت إليه في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة، ولما بدا الوضع محبطا ومقلقا لكل من كانوا يأملون في أن تكون انتخابات الرئاسة بداية الخروج من نفق الأزمات والمشاكل التي أعقبت الثورة وأوشكت أن تخنقها تماما. ولو لم يدفع «الإخوان» بمرشحيهم لكانت هناك فرصة للتوافق بين الأطراف، أو بين كثير منها، على مرشح تكون لديه فرصة كبيرة بدلا من تشتت الأصوات في كل الاتجاهات.

«الإخوان» أحبطوا كذلك فرصة إعداد مشروع الدستور قبل انتخابات الرئاسة بحيث إن الرئيس القادم سيأتي الآن في ظل وضع دستوري غامض يترك باب الصراع على الصلاحيات مفتوحا على مصراعيه، ويبقي البلد ساحة لمواجهة محتملة بين الأطراف المختلفة حول صياغة أهم وثيقة لتنظيم الحريات والصلاحيات، وحماية الديمقراطية وحقوق المواطن. فالوضع الصحيح كان أن يوضع الدستور قبل أي انتخابات باعتباره المنظم للمؤسسات والمحدد للصلاحيات ولشكل النظام السياسي ولخريطة طريق الديمقراطية والضامن لحقوق كل مواطن، لكن «الإخوان» الذين أحسوا بفرصة إحراز فوز سريع في أي انتخابات مبكرة أصروا على إجراء الانتخابات التشريعية، وعندما تحقق لهم الفوز سعوا للهيمنة على الجمعية التأسيسية الدستورية مما أشعل الغضب والانتقادات، وأدى إلى حل اللجنة وتأجيل معركة الدستور التي ستكون أصعب من المعارك الانتخابية. وبسبب هذا التأجيل فإن المصريين الآن يواجهون احتمال أن يكون وضع الدستور بيد الإسلاميين إذا فرضوا هيمنتهم على الرئاسة والحكومة بعد البرلمان، أو يكون عرضة للتجاذبات من خلال الصراع على تشكيل اللجنة التأسيسية الدستورية إذا ما كان الرئيس المقبل هو شفيق أو أي مرشح آخر يمثل مفاجأة اللحظة الأخيرة في العملية الانتخابية الحافلة بالمفاجآت.

الأيام المقبلة ستشهد بلا شك حراكا واسعا وسيلا من المبادرات للخروج من المأزق الانتخابي، فهناك من ينادي بفتح المجال أمام مرشح ثالث، وهو أمر يبدو مستبعدا، وهناك من يطرح على «الإخوان» انسحاب مرسي لصالح صباحي بحيث يكون هو المرشح الذي تلتف حوله قوى الثورة لمواجهة شفيق، وهذا أيضا يبدو خيارا مستبعدا، لأن «الإخوان» حتى الآن لا يبدون في وارد تقديم تنازلات، خصوصا أنهم يشعرون بإمكانية كسب الناخبين الرافضين للتصويت لشفيق إذا نجحوا في تصوير المعركة على أنها مواجهة لمنع عودة الفلول. ومرة أخرى ستضع حسابات «الإخوان» ومناوراتهم الثورة المصرية أمام اختبار صعب نتائجه غير مضمونة لأحد، ولا تبشر بعودة سريعة للاستقرار الذي تحتاجه مصر.

[email protected]