لا يكفي أن يهتم المستشفى بوضع وتنفيذ خطة «توفير» العدد اللازم من الأطباء Recruitment Plan، الذين يرى أن «مجرد» وجودهم كاف لخدمة المرضى والعمل على تأمين سلامتهم وتحسين معالجة مشكلاتهم الطبية، بل ما يجب القيام به أيضا، وبالتوازي مع هذه العملية، هو وضع وتنفيذ خطة العمل على «الاستفادة القصوى» Best Utilization من هؤلاء الأطباء بأعلى درجة ممكنة، وتقييم مدى نجاح ذلك لضمان تقييم كفاءة هؤلاء الأطباء، كطاقة بشرية، في خدمة مرضاهم والخروج بالنتائج المطلوبة في الحفاظ على سلامة المرضى ونجاح معالجتهم.
دعونا نراجع أحد الأمور التي تعتبر من «المُسلمات» في عالم الطب، وهو ضرورة أن يتوفر في أقسام العناية المُركّزة بالمستشفيات أطباء في تخصص «العناية الفائقة» intensivists doctors على مدار ساعات النهار والليل، وذلك لخدمة المرضى وتوفير درجات أعلى في تأمين سلامة أرواحهم وعلاجهم.
وما طرحته دراسة الباحثين من كلية الطب بجامعة بيتسبيرغ ضمن عدد 21 مايو)أيار) الماضي من مجلة «نيوأنغلند جورنال أوف ميديسن» الطبية، هو محاولة لإعادة النظر في حقيقة جدوى تبني هذه «المُسلّمة» في الأوساط الطبية والدواعي الحقيقة لنشوء هذا الأمر. وتوصل الباحثون في دراستهم إلى نتيجة مفادها أن توفير المستشفيات أطباء متخصصين في العناية الفائقة لخدمة مرضى أقسام العناية المُركّزة في ساعات النهار بطريقة جيدة سيكون كافيا لتأمين سلامة المرضى والحفاظ على أرواحهم. أي إن توفير أطباء هذا التخصص في تلك الأقسام على مدار الساعة طوال اليوم ليس شيئا حتميا وضروريا طالما تم توفير الخدمة هذه بشكل جيد طوال النهار.
وعلق البروفسور جيرمي كان، الباحث الرئيس في الدراسة، على هذه النتيجة المثيرة للنزاع والمناقشة، بالقول: «غالبية الدراسات الطبية في هذا الشأن أظهرت أن توفير أطباء العناية الفائقة في تلك الأقسام طوال ساعات النهار هو أمر ثابت الفائدة في رفع مستوى سلامة المرضى وأرواحهم، ورد فعلنا التلقائي هو توفير وجود أطباء متخصصين في العناية الفائقة بكل قسم من أقسام العناية المُركّزة في كل ساعات اليوم، أي النهار والليل، ولكن فعلنا هذا هو حقيقة خاطئ ويُبسط المشكلة وطريقة حلها بشكل مُفرط». وأضاف ما مفاده: «ونتيجة لهذا ربما وصلنا إلى أنه فقط نصف أقسام العناية المُركّزة بالمستشفيات في الولايات المتحدة تتوفر فيها خدمة الأطباء المتخصصون في العناية الفائقة» critical care specialist
وقال البروفسور آلان غارلاند، من جامعة مانيتوبا في وينبيغ بكندا، : «كان ولا يزال هناك القول أيضا أننا نحتاج وجودهم، أي أطباء العناية الفائقة، طوال ساعات الليل، ولكن لا توجد معطيات بيانات إحصائية Data تدعم القول بضرورة هذا».
وأضاف التذكير بأحد الأعمدة المهمة في اتخاذ القرارات الطبية الإدارية والتشغيلية بالقول: «معطيات البيانات الإحصائية مهمة عند الحديث عن تشكيل مجموعة العاملين في أقسام العناية المُركّزة ICUs staffing آخذين بعين الاعتبار ندرة توفر هؤلاء الأطباء المتخصصين في هذا الشأن وأن التكلفة المادية لتوظيفهم أعلى من غيرهم كطاقم التمريض مثلا». واستطرد بالقول: «ونتائج الدراسات الطبية متضاربة في جانب إثبات أهمية توفير هؤلاء الأطباء ساعات الليل في تلك الأقسام».
ودرس الباحثون البيانات الإحصائية لواقع العمل ونتائجه في شريحة تضم نحو خمسين قسما من أقسام العناية المُركّزة، تخدم ما مجموعه نحو 65 ألف مريض سنويا. وتبين للباحثين أن فقط 24 في المائة من هذه الأقسام يتوفر فيها بالليل ذلك الطبيب المتخصص في العناية الفائقة. والأهم في كل النتائج هو أنه في جميع أقسام العناية المُركّزة التي يتوفر فيها الطبيب المتخصص في العناية الفائقة بالنهار لخدمة المرضى، فإن نسبة الوفيات لا تتحسن بإضافة توفير طبيب العناية الفائقة بالليل أيضا. وهو ما علق عليه البروفسور كان بالجملة «الذهبية» التالية: «طبيب العناية الفائقة الجيد الذي يُؤدي عمله جيدا في ساعات النهار يخدم مرضاه بطريقة تحميهم وتحافظ على أرواحهم في ساعات الليل». وأضاف: «وإذا ما تم في ساعات النهار الاهتمام الفعّال بأمور بديهية وبسيطة مثل معالجة المرضى عبر ممارسة معالجتهم وفق البراهين العلمية evidenced - based practices، وتطبيق ممارسة نوعية عالية الجودة high quality في وقاية المرضى من الإصابة بالمضاعفات المحتملة، وتمت العناية بإدارة عملية استخدام أجهزة التنفس الصناعي وحاجة المرضى لها ventilator management، وغير ذلك من أساسيات العناية بالمرضى، فإن القليل يتبقى عليك فعله أثناء الليل للعناية بهؤلاء المرضى وحماية أرواحهم». واستطرد بالقول: «على أقسام العناية المُركّزة أن تتفحص بعناية وجدية reexamine أسباب اضطرارها لتوفير هذه النوعية من الأطباء طوال فترات النهار والليل لأنه لا يبدو أن لذلك داعي إذا ما تمت العناية بالمرضى كما يجب في أوقات النهار، وهذه الطاقات البشرية من الأطباء المتخصصين بالعناية الفائقة يُمكن أن يُستفاد منهم بشكل أفضل في مستشفيات أخرى».
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض