درس من أعرق الملكيات

TT

إذا كنت ممن يهتمون بالشأن العام العربي وتصادف وجودك ببريطانيا هذه الفترة، فبالتأكيد أن أكثر ما سيلفت انتباهك هو الحالة الاحتفالية التي تعيشها بريطانيا بمناسبة مرور ستين عاما على تسنم الملكة لعرش الحكم. وبالطبع فإن أول ما يطرأ على بالك هو: لماذا يثور البعض بمنطقتنا، وبدول تدعي أنها جمهورية، بينما يحتفل أبناء أعرق الديمقراطيات بمرور ستين عاما على تولي الملكة مقاليد الحكم؟

أفضل إجابة عن ذلك ما قاله وزير الخارجية البريطاني في مقابلته قبل أيام مع صحيفتنا، حيث سألته الزميلة مينا العريبي: «ما هي رسالتكم إلى العالم العربي بمناسبة احتفال ملكة بريطانيا بـ60 عاما على عرش بريطانيا ديمقراطية ومستقرة؟»، فقال هيغ: «فرصة عظيمة ليرى العالم كيف نعيش في بريطانيا، وهي خليط رائع من التاريخ والحداثة. الملكية رمز لذلك. والسبب الذي جعل الملكية ناجحة وقادرة على البقاء كل هذا الوقت هو أنها قادرة على التأقلم، وهي حساسة للرأي العام، ومستعدة للتطور معه، ومستعدة للتغير بطرق كثيرة. في بريطانيا لدينا هذا الأسلوب البراغماتي. نحن نغير نظامنا السياسي مع مرور الوقت وبطريقة تعتمد على التطور التدريجي. وإذا كان هناك أمر واحد (يدعم الاستقرار) فهو قوة مؤسساتنا. لدينا مؤسسات لها تاريخ طويل، سواء المؤسسة الملكية أو هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أو البرلمان أو وزارة الخارجية. لدينا الكثير من المؤسسات القوية والمحترمة التي بنيت على المدار الطويل ولم تهدم من قبل حركة سياسية أخرى. ونصيحتي للديمقراطيات الجديدة والناشئة هي بناء تلك المؤسسات التي لا تهدم كلما تغيرت الحكومة، فذلك يعطي الاستقرار والصلابة للمجتمع».

إجابة ولا أروع، ودرس لمنطقتنا التي تعيد تكرار أخطائها، فقد لخص هيغ استمرار واستقرار بريطانيا بكلمات بسيطة، وهي وجود الخليط الرائع من التاريخ والحداثة، الذي تعد الملكية رمزه، والقابلية للتطور، ووجود المؤسسات القوية! وإذا ما قارنا هذا بمنطقتنا، وبعد ما يسمى بالربيع العربي، فسنجد أن أكثر دولنا استقرارا هي الملكيات، أو الإمارات، حيث لا ظلم، ولا تعسف، ولا انتهاك لحرمات الناس، بل إن الملكيات العربية قدمت دروسا بالحكمة، والمرونة، أو ما وصفه هيغ بالبراغماتية. فها هي السعودية، رغم كل التحريض ضدها في العام المنصرم، فإنها هي التي تقود استقرار المنطقة ككل، وليس السعودية وحسب، وهذا ما نراه باليمن، والموقف من إيران، ومكافحة الإرهاب، وحتى تقديم الإعانات لبعض دول الربيع العربي، والسعودية هي اليوم الرافعة الأخلاقية ضد الطاغية الأسد، وهناك نماذج أخرى بالخليج، والملكيات العربية، وأبرز مثال هنا المغرب، حيث تظهر أيضا حكمة ملك. فبعد أن استجاب الملك لمطالب شعبه، وقام بإصلاحات أوصلت المعارضة للحكم، وذلك في العام الماضي، إلا أن المظاهرات بدأت الآن ضد الحكومة الجديدة، التي لم تف بوعودها، وليس ضد الملكية، مما يدل على حنكة ملك المغرب، وحنكة الملكيات.

ولذا، كما قلتها قبل عام هنا، فإن الملكيات خير وأبقى، والشواهد كثيرة!

[email protected]