تصغير العلاقات

TT

رفعت على جدار كلية الحقوق في بيروت، قبل سنوات، صورة زيتية كبرى للشيخ حمد بن خليفة، أمير قطر، وكتبت تحتها تعابير الشكر لمساعدته على ترميم المكتبة الوطنية. شعرت في داخلي بشيء من الهوان. فالبلد عليه ديون تصل إلى 60 مليار دولار، ألا يستطيع صرف بضعة ملايين إضافية لاستعادة مكتبته الوطنية بالذات؟! إنها ليست طريقا عاما أو مستشفى أو مدرسة أو ما شابه، بل هي التراث الفكري والأدبي للبلد.

لكن لاحقا لم يكن هذا الشيء «الوطني» الوحيد، الذي رعته قطر، أو تبرعت به. فقد استضافت الدوحة مؤتمرا جمع كل طبق السياسيين اللبنانيين المتنابذين، انتهى لما سمي باتفاق الدوحة، وهذا أدى إلى انتخاب رئيس الجمهورية في البرلمان. بالإضافة إلى خطاب التنصيب الوطني كان هناك خطيبان آخران في سابقة لا سابقة لها في التاريخ: أمير قطر ورئيس وزرائه.

في حرب 2006 أرسلت عدة دول عربية مساعدات لإعمار المناطق المتضررة، لكن باستثناء الشكر الذي قدمه الرئيس فؤاد السنيورة للسعودية، منع جميع الآخرين من شكر أحد سوى إيران وقطر. وارتفعت في شوارع العاصمة وعلى طرق الجنوب يافطات مختصرة: شكرا قطر.

مساء الأحد الماضي تبارى الفريق اللبناني والفريق القطري في «المدينة الرياضية» أو مدينة كميل شمعون، التي أنشئت عام 1955. قررت الحكومة أولا أن تجري المباراة من دون جمهور ثم خجلت فعدلت، لكنها أرسلت طوابير من الأمن خوفا من انفجار.

لم يعد الشكر لقطر مسموحا ولا حتى السماح بذكر اسمها، منذ خلافها مع سوريا. وكان هناك خوف من اعتداء على الفريق القطري أو من هتافات معادية أو من شجار بين المشاهدين يتطور كالعادة إلى حرب أهلية.

عاش لبنان مرحلة ذهبية مع قطر يوم كان أميرها يقوم بزيارات عائلية متكررة إلى دمشق. ويوم قرر استثمار 10 مليارات دولار في سوريا. ويوم كانت «الجزيرة» تساند، من دون لبس، «الممانعة» القومية في سوريا.

تحولت قطر الآن إلى «دولة لم تدخل الحضارة بعد». وصار علينا في لبنان أن نرسل الجيش قبل الفريق الرياضي إلى المدينة الرياضية. وهذا ما تفعله السياسة في كل شيء، بل حتى في ما يسمى بـ«الروح الرياضية». وهذه «الروح» في لبنان تتنازعها أيضا الطائفية. ولكل طائفة لاعبوها وفريقها وهتافاتها، ومنها في الماضي «شكرا قطر».