كيف هزم عبد الناصر جيش مصر في سيناء؟

TT

في 13 مايو (أيار) 1967 أبلغ مندوب المخابرات السوفياتي الذي كان يعمل مستشارا بالسفارة السوفياتية في القاهرة، مدير المخابرات العامة المصرية بوجود 11 لواء إسرائيليا محتشدا على الجبهة السورية. وبعد يومين نشرت الصحف المصرية أخبارا عن تحركات القوات المصرية إلى سيناء، لمساندة سوريا في مواجهة التهديدات الإسرائيلية. وسافر الفريق محمد فوزي في نفس اليوم إلى سوريا، لكن الصور الجوية لم تظهر تغييرا في مواقع القوات الإسرائيلية. لكن عبد الناصر طلب في اليوم التالي من الأمم المتحدة، سحب قوات الطوارئ الدولية الموجودة على الحدود بين مصر وإسرائيل، ثم أعلن إغلاق مضيق تيران أمام السفن الإسرائيلية المتجهة إلى ميناء إيلات، مما اعتبرته إسرائيل بمثابة إعلان حرب.

وقام عبد الناصر بزيارة إحدى القواعد الجوية في منطقة القناة، وأعلن تصميمه على منع السفن الإسرائيلية من المرور في مضيق تيران، ومنع السلع الاستراتيجية من المرور، حتى لو كانت على أي سفن غير إسرائيلية.

كانت الدلائل تشير في الثالث من يونيو (حزيران)، إلى أن إسرائيل تستعد لشن الحرب، حيث أعلنت التعبئة العامة وشكلت وزارة حرب برئاسة ليفي أشكول. لكن عبد الناصر لم يتوقع تحركها قبل عدة أسابيع. وكانت المفاجأة بعد يومين، عندما قامت إسرائيل بهجوم خاطف على القوات المصرية في سيناء في صباح الخامس من يونيو، كما شن سلاح الجو الإسرائيلي هجوما مباغتا على جميع المرافق الجوية المصرية، ودمرها خلال 3 ساعات. وهاجمت إسرائيل الضفة الغربية بفلسطين التي كانت تابعة للأردن، وعلى مرتفعات الجولان السورية، واستولت على قطاع غزة الذي كان تابعا لمصر.

والغريب في الأمر أن الأوامر صدرت للقوات المصرية بعدم إطلاق النيران على طائرات العدو. يقول كمال حسن علي، الذي كان قائدا للواء الثاني المدرع: «في هذا اليوم (5 يونيو) كانت الأوامر تقتضي لدينا بتقييد النيران، وعدم الاشتباك بأي طائرة في السماء، وذلك حتى وصول طائرة المشير عامر لمطار التمادا». (مشاوير العمر، كمال حسن علي، ص 228)، وحتى تخفى أخبار الخسائر عن الشعب المصري في ذلك اليوم المشئوم كانت إذاعة عبد الناصر تعلن عن إسقاط عدد كبير من الطائرات الإسرائيلية، بينما دمرت إسرائيل 150 طائرة مصرية على الأرض.

وكانت القيادة العامة للقوات المصرية تبدو في حالة من الشلل، ليس لديها معلومات دقيقة عما يحدث في الجبهة، ولا هي بقادرة على إدارة دفة المعركة. يقول عبد اللطيف البغدادي، إنه في تلك اللحظات الحرجة، ذهب هو وحسن إبراهيم لمقابلة عبد الحكيم عامر في مبنى القيادة العامة للجيش: «وطلب عبد الحكيم جمال عبد الناصر تليفونيا، وأخبره بأن عدد الطائرات المغيرة كثير جدا أكثر مما يملك العدو. وأن هناك طائرات أميركية تغير على مطار الأقصر.. وطلب من جمال في النهاية أن يبحث عن حل سياسي». (مذكرات عبد اللطيف البغدادي، المكتب المصري الحديث، الجزء الثاني، 1977، ص 281 - 282).

في مساء اليوم الثاني للقتال 6 يونيو، كان الموقف قد وصل إلى درجة من السوء جعلت القيادة تقرر الانسحاب من سيناء إلى غرب قناة السويس. فقد كانت الطائرات الإسرائيلية تصطاد المدرعات المصرية بسهولة في الصحراء المكشوفة، دون غطاء جوي يحميها. إلا أن الانسحاب تم من دون خطة منظمة، فكانت الأوامر تصدر للوحدات بالانسحاب ليلا ومحاولة الوصول إلى غرب القناة قبل طلوع النهار. كما نصت الأوامر على ترك الأسلحة الثقيلة والاكتفاء بأخذ الخفيفة منها. ويبدو أن القادة العسكريين في الميدان لم يرتاحوا كثيرا لأوامر الانسحاب. يقول كمال حسن علي: «كانت القيادة العامة للقوات المسلحة قد أصدرت صباح هذا اليوم أمرا إلى جميع القوات المسلحة الموجودة في سيناء، بالانسحاب في ظرف 24 ساعة إلى غرب القناة. إنه الأمر الذي قابلته القوات الإسرائيلية بابتهاج عظيم، فهو حجر الزاوية الذي بنيت عليه خطتها.. وكانت كل الحسابات البسيطة تقول باستحالة تنفيذ هذا الأمر! ولو أن إنسانا ما كان باستطاعته أن يرص العربات والدبابات والمعدات التي تدفقت على سيناء.. ويوزعها على المحاور الثلاثة لعبور القناة.. لاحتاج الأمر ثلاثة أيام لتسير سيرا عاديا على الطريق الإسفلتية، دون تدخل من العدو!» (مشاوير العمر، كمال حسن علي، ص 234).

وهكذا انتهت حرب يونيو التي جاءت نتيجة مغامرة عبد الناصر باستيلاء إسرائيل على كامل أرض شبه جزيرة سيناء، دون أن يتاح للجنود المصريين فرصة واحدة للقتال. فلم يدخل الجيش المصري المعركة، وجاءت هزيمة مصر على يد قادتها، فالقيادة السياسية قررت دخول حرب ليست على استعداد لها، والقيادة العسكرية لم تكن تدري ماذا يجري في أرض المعركة. هزم جيش مصر دون قتال، هزمها عبد الناصر وصديقه عبد الحكيم عامر. وأصدر مجلس الأمن قرارا بوقف القتال، بعدما وصلت الدبابات الإسرائيلية إلى الشاطئ الشرقي لقناة السويس.

ويعبر عبد اللطيف البغدادي عن شعوره، هو وكمال الدين حسين في تلك اللحظة المأساوية في تاريخ مصر: «أخذنا نعود بذاكرتنا إلى التصرفات في الجيش وأسلوب الحكم. وهذه هي نهاية كل نظام مثل هذا النظام - ومقامرة جمال عبد الناصر بمستقبل أمة بأكملها في سبيل مجده الشخصي. وكنا نعرف من قبل أنه يقامر، وكنا نندهش من هذا التصرف. وهو كان قد قدر أنه سيحقق نصرا يرفعه إلى السماء دون أن يخسر شيئا. فجاءت النهاية - نهاية نظامه، وخزي وعار على الأمة - ربما يكون خيرا، من يدري؟ ربما أراد الله إنقاذ هذه الأمة من استعباد جمال لها ومن تأليههم له». (مذكرات عبد اللطيف البغدادي، ص 290).