خطايا غير مبررة

TT

كنت أشاهد بالأمس على التلفاز بطولة فرنسا المفتوحة للتنس، وكعادتي، أتابع مثل هذه البطولات بشغف كبير، كحالة تعويضية عن المبدأ الفاشل الذي أعلنته منذ سنوات وهو أن الرياضة حركة، وحركة جهد، وأي جهد يؤدي إلى إصابة الإنسان بالتعب فلا معنى له! لذلك كله فإن أقصى لعبة يمكن أن أشارك فيها هي رياضة «تلعيب الحواجب» لأنها تستغرق الحد الأدنى الآدمي في الطاقة!

اللاعب وحده دون سواه هو المسؤول عضليا وعصبيا ونفسيا عن الوقوع فيه. ويتم تقييم اللاعب في ظل مجموعة من المقاييس المتعارف عليها دوليا، منها أنه كلما زادت أخطاء اللاعب الآتية دون ضغط، انخفض مؤشر أدائه الفني.

إذا طبقنا هذه القاعدة في لعبة التنس على العديد من الحكام والمسؤولين العرب فسوف نكتشف أن مبدأ الخطأ، بل الخطايا، «دون ضغط من الخصم»، أو الأخطاء غير المبررة هي السمة العامة للكوارث التي عشناها ونعيشها هذه الأيام.

لم يضع أحد مسدسا في رأس الرئيس صدام حسين حينما قام بجريمة غزو الكويت.

دعوني أعود بكم إلى الموضوع وهو التنس الذي نستمتع به جميعا.

من قواعد لعبة التنس احتساب الخطأ على اللاعب، أو اللاعبة، الذي يضيع إصابة اللعبة داخل المستطيل بحدوده المرسومة، أو أن يكرر خطأ عدم نجاحه في لعب «ضربة الافتتاح» أو «السيرف» كما يسمونه بالإنجليزية.

وأيضا من الأخطاء التي يقع فيها اللاعب، أو اللاعبة، عدم قدرته على التصدي لضربة الخصم أو الرد المناسب لضربة قوية للخصم، وقائمة طويلة من الأخطاء التي تنتج عن براعة وقوة وسرعة ولياقة اللاعب الخصم.

وفي التنس هناك نوع من الأخطاء التي يرتكبها اللاعب، اسمها «الخطأ الآتي بدون ضغط»، أي أنه خطأ مارسه اللاعب بنفسه دون أي مسؤولية أو تفاعل أو لعب من طرف اللاعب الخصم.

وفي الجدول التحليلي الذي يظهر على الشاشة نرى أرقام وإحصائيات أداء اللاعبين، منها خطأ اللاعب، ومنها «الخطأ الآتي بدون ضغط»، ويتم في لعبة التنس التفرقة بينهما.

في الخطأ الأول يكون خطأ اللاعب متأثرا بقوة ولياقة وذكاء الطرف الآخر، وتكون حدود مسؤوليته هي القدرة على التصدي لها، أما في الخطأ الثاني وهو الخطأ الآتي دون ضغط، فإنه لم تكن هناك كارثة كبرى ستحل لو لم تتآمر دمشق على قتل رفيق الحريري، وكان يكفي الرجل محادثة هاتفية تطلب منه الرحيل إلى باريس حتى لا يتعرض للإيذاء.

ولم يكن هناك مبرر كي يسحب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر قوات الأمم المتحدة من المضايق معلنا حالة حرب مع إسرائيل، أو مؤخرا لها حالة قانونية لجريمة 1967 وضياع القدس الشريف.

ولم يكن هناك عنصر ضاغط على العقيد القذافي لتفجير لوكيربي أو تفجير الديسكو في ألمانيا أو مساعدة الجيش الآيرلندي.

مئات الأخطاء غير المبررة «الآتية بدون ضغط من الخصم» هي التي أوصلتنا إلى حالة الإحباط الحالية!!