مصر والاحتكام إلى اللاشيء!

TT

الدولة القانونية، هل تعرفون ما هي؟ هي الدولة التي تقوم على أسس ومبادئ ارتضاها عموم الناس عبر وسائل قانونية دستورية عن طريق الاستفتاء أو الانتخابات السليمة وفق المعايير الدولية المتفق عليها. حينما يتم ذلك، يصبح لزاما على المجتمع أو المقترعين أن يلتزموا بتلك المبادئ التي احتكموا إليها. لا بد لنا أن نحتكم إلى شيء ما ونلتزم به ما دامت أغلبيتنا وافقت عليه.

في الحالة المصرية اقترع مجموع هيئة المقترعين البالغ عددهم 50 مليونا في مارس (آذار) من عام 2011 على المبادئ الدستورية الحاكمة التي يتم العمل بها حتى تاريخه، وقد صوت أكثر من 14 مليونا منهم بالموافقة وأكثر من 4 ملايين بالرفض.

هذه المبادئ التي صوتت عليها هيئة المقترعين في مصر هي مبادئ الإعلان الدستوري المعمول به بدلا من دستور عام 1971 الذي تم تعطيله.

وفي انتخابات البرلمان اختار الشعب في مصر أكثرية من جماعة الإخوان وأغلبية من التيار الإسلامي تعطيهم 72% من مقاعد البرلمان.

الآن في مصر فوضى سياسية وشجار دستوري يقوم على مبدأ إنكار ورفض سياسي لنتائج الاستفتاء وطعن قانوني في دستورية نظام الانتخابات الذي أتى بنواب البرلمان.

وفي ميادين مصر الكبرى هناك مظاهرات تطالب بإلغاء نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية وتطالب أيضا بعدم القبول بحكم محكمة الجنايات التي قضت بالحكم في الاتهامات الموجهة إلى الرئيس السابق ونجليه ووزير الداخلية الأسبق و6 من مساعديه.

إذن لا قبول باستفتاء وانتخابات برلمانية وقرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية المؤسسة عبر الاستفتاء، وعدم قبول بحكم محكمة الجنايات، وهناك طعن محكمة دستورية سيتم البت فيه يوم 14 من الشهر الحالي.

شيء مرعب ومخيف أن لا يكون هناك أي مرجع للقانون العام يرتضي به الناس بشكل نهائي.

في مثل هذه الحالات التي تغلب فيها العاطفة على العقل، والثورة على المنطق، والإرادة السياسية على مرجعية القانون، تهتز أركان دولة القانون وتصبح البلاد في حالة خطر شديد.

لا بد من الاحتكام لمرجعية نهائية في شؤون تسيير أمور البلاد، وإلا فإن الفوضى وحدها ستكون هي العامل الرئيسي في علاقات القوى بين الأطراف المتنازعة.

مصر، التي عرفت فكرة الدولة قبل أي مكان في تاريخ البشرية، تعاني الآن أكثر من أي وقت مضى في تاريخها من تهديد مصير الدولة.

إما أن تصبح مصر دولة القانون أو دولة الفوضى، ذلك هو الاختبار المخيف الذي سيتم حسمه في غضون الأيام المقبلة.