ماذا مع بشار؟

TT

حضرت قبل أيام مؤتمرا تناول فيه الكثير من الكلام موضوع سوريا بعد رحيل بشار الأسد. جرى الكلام على افتراض أنه سيرحل من دون شك. الموضوع هو كيف سيجري الحكم بعده وكيف سيتم إعادة بناء البلد؟

ولكنني كرجل دؤوب على التشاؤم سرح بي الفكر في الاتجاه المعاكس فقلت: ولكن، ماذا عن سوريا مع بقاء الأسد؟ كيف سيجري حكمها؟ وهذا سؤال ينبغي في الواقع طرحه على بشار نفسه. كيف ستستطيع يا رجل أن تحكم هذا البلد وقد مزقت وحدته وشطرت طوائفه وغرست العداوة بينها؟ كيف ستحكم هذه الأكثرية السنية التي سفكت دماء رجالها ونسائها وأطفالها وهدمت بيوتها ومؤسساتها وأحييت في قلوب شبابهم غريزة الثأر لموتاهم؟ كيف ستعيش أنت وأولادك وزوجك، تتربص وتحاذر من قنبلة استشهادي أو خنجر ثائر؟ أي أحمق في العالم يشتري لنفسه وأسرته مثل هذا العيش؟ وكله من أجل المنصب! أما لحماقات الإنسان من نهاية؟!

بعيدا عن كل ذلك، كيف سيتعامل نظامك مع العالم ومع جاراتك من الدول التي ارتبطت بها سوريا بكل الروابط واعتمدت عليها في معيشتها واقتصادها؟ كيف ستعيد العلاقات الدبلوماسية مع جل دول العالم التي رفضتك وسحبت بعثاتها من دمشق؟ بأي وجه ستخرج من بلدك، إذا سمح لك بالخروج ولم يعتقلك الإنتربول حال خروجك كمجرم حرب، كيف ستواجه الوجوه الغاضبة والناقمة عليك من رؤساء الدول الأخرى وزعمائها؟

لقد اعتمد صدام حسين أثناء الحصار على العراق على ثروة بلده النفطية وأعاش شعبه باتفاقية النفط مقابل الغذاء، ولكن سوريا لا تملك مثل هذا الفائض النفطي. فكيف سيمكن إطعام شعبها ومكافأة شبيحتها وعساكرها وعملائها وأجهزة أمنها التي ستعتمد عليها؟ بل وكيف ستكافئ روسيا والصين على موقفهما وتضمن استمرار تأييدهما؟ ومن أين ستسدد ثمن أسطوانات البوب التي تم شراؤها مؤخرا من أميركا؟

سيحكم على الشعب السوري أن يعيش في ضنك مستمر. ولن تنجو الأقلية العلوية من هذا الضنك الوطني العام. المفروض في عقلائها أن يعوا ما سيحصل لسوريا ويدركوا ما سيقعون فيه مستقبلا من موقف حرج نتيجة تأييدهم لهذا النظام. هذه مسؤولية تاريخية على عاتقهم في أن يضمنوا لطائفتهم عيشا كريما وآمنا في سوريا المستقبل بغسل يدهم من هذا الحكم الإجرامي.

سوريا بعد رحيل أو عدم رحيل بشار الأسد. الحقيقة إنني لا أشعر بالراحة إزاء شعار«ارحل!» الذي رفعه الشباب في ميدان التحرير. فهذا شعار يختصر مطالب الشعب بمجرد رحيل رئيس الدولة. ولكن مشكلة البلد لا تقف هنا بل ولا تتوقف على ذلك الرئيس. المطلوب هو ترحيل النظام بكل ما يحمله من عيوب ونواقص. الحاكم هو مجرد رمز للنظام. ولا ضير للمطالبة بترحيله كرمز لترحيل كل ما وراءه من فساد واستبداد واستئثار.