بين الماعت والأسفت

TT

ساعات قليلة تفصلنا عن الإعلان عن أول رئيس مصري منتخب بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) 2011؛ وأيا كان اسم الرئيس المنتخب فهناك حقائق لا يمكن إغفالها في ظل الأحداث المتلاحقة، ومنها أن مصر على أعتاب مرحلة تاريخية جديدة تولد فيها ديمقراطية ناشئة سوف تستغرق سنين طويلة كي يعتاد عليها المصريون الذين يواجهون الآن تحديا كبيرا للنهوض بمجتمعهم تعليميا وثقافيا وصحيا، وقبل كل شيء اقتصاديا. الرئيس الجديد ليس هو رئيس الأغلبية؛ فلقد انتهى وإلى الأبد عصر الزعامات ورؤساء الأغلبية الساحقة. ولذلك يواجه الرئيس الجديد تحديا عظيما في إقناع ما يقرب من نصف الدولة المصرية بأنه هو الأصلح رئيسا لمصر. نجح الجيش المصري في تأمين انتخابات ديمقراطية، ووقف بالفعل على الحياد وبشهادة طرفي المنافسة على كرسي الرئاسة. على الطرف الخاسر دعم الطرف الفائز ليثبت أنه كان جديرا بالمنافسة في انتخابات ديمقراطية، وأن تغليب مصلحة مصر هو الهدف الأول والأخير. وفي المقابل نرى أن على الفائز تقديم الشكر للخاسر في مساهمته في إنجاح أول انتخابات حرة في مصر. ولنا هنا في فرنسا والدول الديمقراطية المثل الذي يجب أن يحتذى.

نأتي هنا لدور الرئيس المنتخب والذي نعترف وبكل أمانة وصدق أن الجلوس على الخازوق، وهي وسيلة الإعدام القاسية والمعروفة في العصر المملوكي في مصر، أهون بكثير من الجلوس على كرسي الرئاسة في هذه المرحلة شديدة الصعوبة، وعليه أن يتمسك بإيمانه ببلده مصر وشعبها وقدراتهم العظيمة، والتي تتفجر وتبهر الجميع وقت الشدائد؛ وليتذكر أجداده في زمن الفراعنة وكيف استطاعوا الحفاظ على وحدة بلدهم وشعبهم طوال أكثر من خمسة آلاف سنة؛ عاشت مصر خلالها عصور ضعف قصيرة وعصور ازدهار وقوة مديدة جعلتها من أعظم حضارات الأرض. الإيمان سر النجاح.

المطلوب من الرئيس القادم أن يؤدي واجبا ألزم به أجدادنا المصريون القدماء ملوكهم، وهو القضاء على الشر وبذوره أو ما سموه الأسفت، وذلك حتى تحكم الماعت وتسيطر؛ والماعت كما بينا في مقالات سابقة هو الحق والعدل والنظام.. الحق في أن يحكم من يتولى مصر بحق البشر في العيش الكريم وأن يعدل بين كل الناس ولا ينتقص من أحد حقا حتى المذنب والمخطئ كان له حقوق لا تنتقص. ونأتي لمبدأ الماعت في النظام وليس المقصود به الزمرة الحاكمة، وإنما أسلوب ومنهج حياة للمجتمع تبعده عن الغوغائية والفوضى. لا نطلب معجزات فزمانها ولى وانتهى بالنسبة للبشر وإنما نطلب الحق والعدل والنظام.

نعم سيعلن رئيس جديد لمصر ولكن لن يمنح العصا السحرية التي بها يغير الأمور وكل ما سيعطى الرئيس القادم بلد اقتصاده على حافة الهاوية وشعب ينهشه الجهل والمرض وعلى الأطراف صراعات إقليمية وعدو متربص للحظة الانقضاض على فريسته التي طالما عز عليه افتراسها. على المصريين فهم واقعهم والتمسك بالأمل في غد أفضل والعمل مع الرئيس المنتخب، سواء كنا من النصف الذي رشحه أم من النصف الآخر؛ فإما أن يتوحد النصفان وإما الفوضى والضياع.