يسار تحية كاريوكا

TT

إلى ما قبل قراءة هذا الكتاب، كنت بين الذين عاشوا مع انطباع شبه عام، هو أن الراقصة الشهيرة تحية كاريوكا، بل ربما أشهر راقصة شرقية في السينما، كانت - إلى جانب الرقص - مناضلة من مناضلات اليسار العربي. وفي مرحلة من مراحل الشباب كان أهل اليسار يحتقرون من ينظر إلى «توحة» نظرة دنيوية تبسيطية، رمزها العصا البلدي وصورتها الهز من تحت العنق إلى تحت القدمين.

وكم شعرت بالذنب لأنني فشلت في اكتشاف اليسار عند السيدة توحة. وما استطعت، على الرغم من الجهد، أن أتبين صفات النضال ما بين وصلة وأخرى. ولم أجرؤ مرة على أن أطرح أي سؤال حول النضال اليساري في رقرقات السيدة توحة، خوفا من أن أتهم بالغباء أو بالرجعية اليمينية، أو بأنني من الذيليين الإمبرياليين الذين أخفقوا في إدراك البعد النضالي في هزهزات تحية.

عبر الزميل نجم عبد الكريم عالم المشاهير، كما هذه الحياة، بالطول وبالعرض. ذهب إلى مقابلة ول ديورانت، مؤرخ القرن الماضي، في أميركا، وإلى بيت طه حسين في القاهرة. عمل في الإخراج وفي التمثيل وفي السيناريو وفي المسرح وفي الغناء، ولا يزال. وإذا سمعت صوتا جهوريا روسيا يأتي من نوافذ باريس أو مسارح لندن فاعرف، حفظك الله، أنه الهاوي الأبدي نجم عبد الكريم.

أهمية معظم المقابلات التي أجراها أبو أمجد حول الكرة الأرضية أن معظمها مسجل. والأهمية الثانية أنها مقابلات أجراها نجوم العالم مع نجم، الذي لست أشك لحظة في أنه طلب يد النجمات اللاتي قابلهن في سن السعادة وأن الذي رفض أو اعتذر هو أيضا نجم. لأن نجم حالة بشرية خيالية لشدة ما هي حقيقية. ولأن الذين يعرفونه يعرفون قبل أي شيء أنهم لن يعرفوه، لأن صدقه واحد وأشخاصه كثيرون. مسرح فردي جوال حول العالم ومونولوج متنقل مثل يوربيديس لا حاجة به إلى مساند أو محاور. يحضر ومعه جميع أشخاصه مثل الرسوم المتحركة التي كان يمثل جميع أدوارها بصوت هدار أو صوت طفل.

في كتابه الجديد «شخصيات عرفتها وحاورتها» (دار رياض الريس)، تكشف تحية كاريوكا لنجم عبد الكريم، الكذبة التي قالت إنها دخلت السجن لأنها يسارية وتعمل ضد النظام: «شوف يا خويا. لا يسار ولا حاجة. زوجي كان بكباشي (1954).. يحب نفسه ويحب أناقته ويحب النساء. ضبطوه وفي البيت سلاح. خدونا السجن وأنا بقيت هناك 100 يوم. ثم قال لهم دي توحة بتاعة فن ورقص ومالهاش في السياسة!».. أفرجوا عنها. وخرجت فورا.. إلى الطلاق.