الديمقراطية الروسية في سوريا!

TT

محاولة فهم الموقف الروسي بخصوص الثورة السورية وحمايته بكل الوسائل لنظام بشار الأسد مهما كانت التكلفة ومهما بلغت الضغوط الدولية، هي مسألة، كما يصفها الكثيرون، تعدت العرف الدبلوماسي لتصل لمستوى غير مسبوق من الفجاجة والوقاحة على الرغم من وجود الأدلة الدامغة التي تدين الأسد ونظامه على ما ارتكب من جرائم، ومع ذلك، يبقى الموقف الروسي مؤيدا بلا تراخ. النظام السوري تمكن من «بيع» فكرة أن سوريا بلد الطوائف المسالمة، وأنه النظام العلماني الوحيد في المنطقة العربية الذي يتعرض لحملة مسلحة عنيفة وإرهابية من مجاميع أصولية سلفية ترغب في قمع الأقليات وسحب حقوقهم وإلغاء التعايش والتسامح الموجود بين طوائف الشعب، وأكبر فئة مهددة من هذه المسألة هم مجموعة طوائف المسيحيين الذين في مجملهم من الطائفة الأرثوذكسية، التي تعود مرجعيتها إلى الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا.

وفي ترويج نظام بشار الأسد فكرة فزاعة الأصوليين والسلفيين مغزى غير بريء أبدا؛ فبوتين شخصيا الآتي من جهاز الـ«كي جي بي»، أحد أعتى أجهزة المخابرات العالمية إبان الاتحاد السوفياتي، وغيره من قادة المخابرات والعسكر الروس لا يزالون يتذكرون الخسارة المذلة لهم في أفغانستان التي تمت أيضا على يد «مجاهدين» أصوليين وسلفيين، وهي مسألة لقيت قناعة كبيرة من رأس الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا نفسها البطريرك كيريل الأول الذي صرح بوضوح بأن موقف كنيسته هو الرفض التام للتدخل الخارجي في الشأن السوري أو تغيير النظام، وذلك لأجل «حماية» الـ10% من سكان سوريا الذين ينتمون للطائفة المسيحية.

وطبعا يأتي هذا التصريح متناغما تماما مع الرغبة السياسية للكرملين وأجهزته وإدارته وسياسته. والكرملين يستخدم موقف الكنيسة هذا على أنه إحدى أهم وسائل القوة الناعمة للتأثير على الرأي العام العالمي لنيل التفهم لموقف بلاده من الحكم في سوريا. ومن المهم هنا استرجاع التنسيق الكامل الذي حدث بين بوتين وفريقه خلال حملة الانتخابات الرئاسية في روسيا من جهة، والكنيسة الأرثوذكسية الروسية التي أيدته بشكل واضح جدا من جهة أخرى، وذلك في مقابل وعوده وضماناته لها بأن يمول، كحكومة، كل الاحتياجات التطويرية لدور العبادة والمدارس الدينية التابعة للكنيسة.

وهناك إحساس بالرغبة في الثأر والانتقام من هزيمة أفغانستان لا يمكن إنكاره في الخطاب الروسي، واهتمام روسي بالتركيز بشكل أساسي على «الخطر الأصولي» الذي يهدد استقرار النظام والحكم في سوريا، وإغفال الحديث عن المخالفات الإجرامية للنظام نفسه ضد شعبه، واعتبار أن الجرم مشترك، إذا كان ذلك موجودا. ويساعد على تأصيل الموقف الروسي هذا زيارة البطريرك كيريل الأول نفسه إلى دمشق منذ فترة وإحاطته خلال الزيارة بمواطنين مسيحيين عبروا عن «خوفهم» و«ذعرهم» في حال تغيير النظام ومجيء حكم أصولي متطرف يتعرض لحقوقهم ويهدد حياتهم وحرياتهم، وذلك في مشهد معد إعلاميا بشكل واضح من قبل ماكينة الإعلام السورية المتمرسة في مسائل من هذا النوع.

روسيا بموقفها هذا تساهم فعليا في تأجيج الحرب الطائفية بدفاعها عن فريق ضد آخر واعتبار أن الحكم والنظام على حق وغيره على باطل. حكم يمثل 10% من السكان هو ديمقراطي! هل يا ترى من الممكن أن تقبل روسيا أن تحكم بإحدى الأقليات فيها وتعتبر ذلك ديمقراطيا أيضا؟

[email protected]