«الديمقراطية نظام سيئ»

TT

من حكميات تشرشل قوله «الديمقراطية نظام سيئ ولكن كل الأنظمة الأخرى أسوأ منه». عيوب الديمقراطية تشغل بال الكثير من الباحثين الذين يحاولون إصلاحها. يأتي في المقدمة خضوعها لتأثير اللوبيات المتنفذة التي تمثل الشركات الكبرى والمنظمات السياسية والدينية الضاربة. لا أمل لأحد في الفوز في الانتخابات ما لم تكن في يده الألوف أو الملايين لينفقها على الدعاية والعلاقات العامة، وأحيانا شراء الذمم. وهذا ما يشكو منه المستقلون واليساريون والشيوعيون الذين لا يملكون مثل هذا الرصيد. يؤمن الكثير من الأميركان بضرورة منع تداول السلاح، ولكن لا أحد في الكونغرس يجرؤ على سن القانون اللازم لذلك بسبب الخوف من لوبي تجارة السلاح. ونحن على علم جيد بخوف الساسة من غضب اللوبي الصهيوني. حتى الرئيس أوباما تخلى عن محاولته حل قضية فلسطين بعد أن اجتمع به قادة هذا اللوبي ولوحوا بتهديدهم له. تتجسم أخطار هذا التهديد في قطع المساعدات المالية عن حملته وتوجيه وسائل الإعلام ضده. ولها أساليبها الرهيبة في التشهير والتعريض بأي مخلوق وحطه إلى الحضيض.

من أهم أركان الديمقراطية حرية الفكر التي تشكل حرية الصحافة والإعلام قاعدتها الأساسية. بيد أننا كثيرا ما واجهنا فضائح في هيمنة أصحاب المصالح عليها. كانت الفكرة أن المحررين والمراسلين يتمتعون بحصانة واستقلال ليكتبوا ما يرون. لا حق لصاحب المؤسسة الصحافية أن يتدخل في عملهم. وكانت النقابات تصر على عدم السماح له حتى بدخول مكاتب الصحيفة ومطابعها. كما لا يصح له أن يتدخل في سياسة الحكومة. كانوا ينظرون إليه كأي مساهم يستعمل أمواله في مشروع استثماري لا يعنيه من أمره غير ربحيته. بيد أن فضائح على هذا الصعيد هزت بريطانيا مؤخرا عندما انكشفت الأساليب اللاأخلاقية التي استعملتها مؤسسة ميردوخ العملاقة في التجسس على الشؤون الخاصة لأولي الشأن للضغط عليهم.

من فضائل الديمقراطية استعدادها للتحقيق الدقيق في أي أمر يهم المجتمع. وحالما انكشفت في بريطانيا أساليب مؤسسة ميردوخ في التنصت والتجسس على الناس بما يتنافى مع القانون والأخلاق، بادروا لفتح تحقيقات مكثفة ومتشعبة في الموضوع، فجرى استجواب شتى الوزراء ورؤساء الوزارات عن علاقاتهم بهذه المؤسسة. كان منهم رئيس الوزراء السابق جون ميجر الذي أعرب عن استيائه في أن يرى رجلا أجنبيا، ميردوخ، جاء من أستراليا وتمكن أن يسود دنيا الإعلام ويجلس مع رؤساء الحكومة ليساومهم على تغيير سياستهم مقابل تأييده لهم. رجل لا بالعير ولا بالنفير تمكن من امتلاك أمهات الصحف والفضائيات، وأخيرا السيطرة على محرريها لتوجيههم كما تقتضي مصلحته الخاصة في التأثير على الناخبين؛ وبالتالي التأثير على سياسة الدولة.

الفكرة هي أن من الضروري للمسؤولين الالتقاء بعمالقة الصحافة لسماع أفكارهم وتبادل المعلومات معهم. ولكن المستر ميردوخ ليس من عمالقة الفكر وإنما من دهاقنة المال. فلم تناول العشاء معه بدلا من فنجان قهوة مع عمالقة المعلقين والكتاب؟ هناك شيء من العفونة في هذا. والمنتظر الآن صدور قانون جديد لإصلاح الديمقراطية بمعالجة العلاقة بين الحكومة البريطانية والصحافة.