درس شامي

TT

السوريون أهل تجارة.. والتجار قوم عمليون. جاء رجل حمصاني لبقال شامي وقال: أنا مسافر لحلب على حمارتي. هذه خمسة قروش أعطني بها شيئا أتغدى به، ويسليني في الطريق، وأطعم به حمارتي. أعطاه بطيخة، وقال له: كلها عندما تجوع، وتسلى ببذرها في الطريق، وأطعم حمارتك بقشورها. بهذه الروح تصرفوا عندما نالوا استقلالهم. خشي النصارى على مصيرهم بعد أن كانت فرنسا حامية لهم. بادر الوطنيون لتسليم الحكم إلى نصراني، ذلك النجم اللامع فارس الخوري الذي خلدت كلماته في أروقة الأمم المتحدة دفاعا عن القضايا العربية. راحوا اليوم يكررون نفس التجربة. لاحظوا أن الأكراد يتخوفون من نتائج الانتفاضة وسقوط بشار. فاختار المجلس الوطني للثورة زعيما كرديا مرموقا رئيسا له.

هذا درس جدير بملاحظة العراقيين الذين أصبحوا ضحايا للمنازعات الطائفية والقومية واحتمالات انسلاخ كردستان عن الجنوب. كنت دائما أدعو لتسليم الحكم في بغداد لزعيم كردي قوي يستطيع أن يتجاوب مع مشكلات قومه وتطلعاتهم، وبعين الوقت يلتفون حوله ويتمسكون بالوحدة العراقية التي يترأسها. كشف تاريخ العراق المعاصر عن عجز الأكثرية العربية في حكم بلدهم حكما ناجحا وسليما، وتمادوا في حماقاتهم وطيشهم، في حين برز من أبناء كردستان من أظهر قدرة وتميزا مشهودا كسعيد قزاز وبكر صدقي.

جلال طالباني رئيس للجمهورية الآن، ولكن السلطات في نظام برلماني بيد رئيس الوزراء. وهذا أس المشكلة. فالسنة الذين اعتادوا على حكم البلاد منذ الفتح الإسلامي يصعب عليهم أن يروا صولجان الحكم بيد غيرهم. والشيعة، الذين يشكلون الأكثرية، لن يداروا مشاعر السنة، وقد أصبحوا يسيطرون على المجلس. والبعثيون والجهاديون والقومجيون لن ينفكوا عن تقويض الأمن لزعزعة النظام الذي يرونه أصبح مطية لإيران ويسيطر عليه حزب الدعوة الشيعي. أفلا يمكن تجاوز هذا المأزق بإسناد الحكم لرجل كردي كفء يطمئن إليه السنة ولا يشتبه الجهاديون والبعثيون والقوميون في ولائه لإيران، وبعين الوقت يعزز في نفوس الشعب الكردي مشاعر الانتماء للوطن الواحد ومرجعية بغداد، وتحاشي كل هذه المنازعات بين أربيل وبغداد؟

الأكراد ليسوا جميعا من السنة؛ ففيهم شريحة الفيلية الكبيرة التي تتمسك بشيعيتها. وفي هذا ما يساعد على طمأنة الأحزاب الشيعية.

المعروف عن الأكراد جنوحهم لليبرالية والعلمانية وإيمانهم بمساواة المرأة، وتعلقهم بالثقافة العالمية. كانوا يشكلون عمدة الحزب الشيوعي والحزب الوطني الديمقراطي والمنظمات التقدمية. وفي هذا ما سيشجع هذه الشريحة من المثقفين العراقيين على الالتفاف حول النظام القائم ودعمه والتطلع إلى مستقبل متحرر علماني بناء.

بيد أن العراق جزء من الأمة العربية وعضو في الجامعة العربية ويرتبط بشتى الأواصر بالشعوب العربية الأخرى. وهذا يلقي على أكتاف أي زعيم كردي احترام هذا الجانب والالتزام بالتزاماته. لا يصح أن يشاع أن كردستان تصبح مرتعا للنشاطات الإسرائيلية، ويدخلها الإسرائيليون بأسهل من دخول المواطنين العراقيين الآخرين.

فهل يجود الله تعالى على العراق بصلاح الدين الأيوبي الثاني الذي يخرج من كردستان شاهرا سيفه ويحرر بغداد من مشكلاتها وعذاباتها؟