سنة أنان الإضافية!

TT

انتقدت في الماضي كوفي أنان يوم كان أمينا عاما للأمم المتحدة. وانتقدت بان كي مون. وقبلهما انتقدت بيريز خافيير دي كويار، الذي عرفته عن قرب. وأخذت بالخجل من بطرس غالي، لأنه كان ساحرا مع الصحافيين، كما كان يقرأ العربية. ولذا كلما كنت أنتقده اتصل ضاحكا: الحكومة زعلانة علينا ليه؟!

منذ تكليف كوفي أنان بالمهمة التي عرفت باسمه، لم أكتب عنه شيئا، بل عودت نفسي على أن أنتظر معه. وأن أتفهم ما يبدو منه بلادة، أو ازدراء للدماء والركام أو الاثنين والتشرد الجماعي. وعندما قال في جنيف يوم السبت إن المسألة السورية سوف تستغرق سنة أخرى، لم أشق صدري كما يفعل مناصرو الفريق الخاسر في كرة القدم. طبعا أذهلتني المدة. من يعرف ماذا يمكن أن يجري في سنة إضافية حيث كل يوم مائة قتيل، ولم يعد أحد يحصي الجرحى والمفقودين والمعتقلين والهاربين؟ لكنني أدركت أن هذه هي المعطيات التي يملكها كوفي أنان. وكوفي أنان هو الرجل الذي يعرف محدوديات الغرب وصرامة الروس ولا مبالات الصين وعجز العرب وانتحارية النظام. لذلك لم يقل لنا إن التسوية غدا. لم يعدنا بما نحلم به. لكنه قدم للمجتمع الدولي الملتاع لما يجري من فظاعات، هدية صغيرة، وهي إبقاء مهمته حية، بموافقة الروس وبالنعاس الصيني.

هل نحن وحدنا نعرف أن النظام السوري يجرجر أنان ومهمته كما يجرجر كل شيء آخر على الأرض؟ لا أعتقد ذلك. هل أن الدبلوماسي الغاني المتقاعد لا يريد أن يدخل التاريخ، بعدما فر من بين أصابعه في حالات كثيرة؟ هل صحيح أنه يريد تمضية الوقت والحصول على دخل جيد؟ هذا هراء. لا أحد يمكن أن يحمل ضميره كل هذه الدماء والوصمات والفظاعات.

الوسيط ليس صاحب قرار ولا صاحب نفوذ. رجل يصغي إلى مجموعات متناحرة تدعي كل منها أنها تدافع عن حقوقها المقدسة. وفي النهاية عليه أن يخرج بتسوية، وليس بحل. لأنه لو كانت المسألة خاضعة للعقل والضمير ومفاهيم الحقوق والحلول، لما كانت هناك مشكلة في الأساس. نزاعات العالم متوالدة والوسطاء مثل مراهني الخيول: إذا نجحوا يظل ربحهم تحت الأربعين في المائة.

حظوظ أنان لا تزال دون العشرة في المائة. وقد قفزت إلى هذه النسبة القياسية لأنه بدا أن صاحب الوجه القطبي أرسل سيرغي لافروف إلى جنيف بـ«نعم» لها ألف شرط. والصين أخذت تقلب خاطرها وتضع سبابتها على صدغها. فمن يدري.. عشرون ألف قتيل قد يكون رقما يحرك الدب ويهز التنين. من يدري!

أنا أيضا لا أدري لماذا لم أهب هذه المرة كالعادة لأنتقد الرجل المسمى «كوفي» بين معارفه. إني أعيد النظر في ما تحمست في الماضي انطلاقا من مشاعري. وهذا العالم ليس مشاعر. عالم دببة وتنانين وفيلة لا تريد أن تغضب الأسد!