فوكزه مرسي

TT

فوز محمد مرسي بمنصب رئيس الجمهورية انتصار لكيان مصر كله، ليس لأنها اختارت الأفضل، فما زال الحكم مبكرا جدا في الحكم له أو عليه، وإنما لأن مصر بشعبها وجيشها وأحزابها وداخليتها واستخباراتها ومؤسساتها الرسمية والمدنية، أظهروا رغم التصرفات الخاطئة التي تزامنت مع الدورة النهائية للانتخابات الرئيسية، وخاصة من الجيش، روح المسؤولية، وجنبوا البلاد أن تنزلق إلى مهاوي الفتنة والقلاقل.

محمد مرسي هو الذي سجل هدف الفوز المستحق، لكن كان خلفه فريق مكون من أحد عشر لاعبا، هم عناصر الدولة المصرية التي أشرت إليها آنفا، كان السيناريو الجزائري المرعب في انقلاب الجيش على مستحقات ونتائج العملية الديمقراطية ماثلا للعيان، والذي أدخل الجزائر في نفق مظلم لم تعرف كيف تخرج منه، ولكن الله سلم، إذن الجيش المصري استوعب الدرس الجزائري وعرف أن الزمن غير الزمن، والآن عليه أن يستفيد من تجربة الجيش التركي الفاشلة حين حاول بعد انتصار حزب العدالة والتنمية التركي أن ينقذ ما يمكن إنقاذه من مكاسب سياسية أصلا كانت منهوبة، فقلم حزب العدالة والتنمية التركي أظفاره متكئا على الزخم الشعبي والمعطيات الدولية الجديدة.

وفي الوقت نفسه، كان تصرفا لرجل دولة، حين أشاد الرئيس محمد مرسي بالجيش المصري ووفائه بالوعد الذي قطعه بتسليم السلطة في موعدها، وكذلك حمايته للانتخابات البرلمانية، وأخيرا والأهم والأخطر الانتخابات الرئاسية. صحيح أن العسكر ارتكبوا خطأ كبيرا حين حلوا مجلس الشعب وألغوا نتائج ثلث أعضاء البرلمان، لكن ليس الأوان أوان إثارة الغبار ونكء الجراح وقتل فرحة الشعب المصري بانتخاب أول رئيس مدني في التاريخ المصري، وليس الوقت وقت فتح جبهة خطرة مع جيش ما برح ممسكا بكثير من مفاصل الدولة، بل بمقدور الرئيس مرسي أن يتحرك على مسارين مهمين؛ المسار الأول وهو الأخطر والأهم، الالتفات إلى حل المشكلات التي لها مساس بالمواطن منها مشكلة الأمن والنظافة والمرور ورغيف العيش والوقود، وهي التي وعد مرسي بحلها دون الحاجة إلى تمويل الدولة، والمسار الثاني، وهو خطوة متأخرة، اللجوء إلى السبل النظامية والقانونية لوضع الجيش في إطاره الطبيعي واسترداد ما بيده من صلاحيات منتزعة بالقوة وتراكمت منذ ثورة 52.

اللافت في خطابات مرسي الأخيرة أنها أعطت صورة أكثر إيجابية عما تصوره الناس عنه حين قدمته جماعة الإخوان للانتخابات الرئاسية المصرية، خاصة أنه كان مرشحها الاحتياطي، وأبدى قدرا جيدا من الثقة في النفس والقدرة المعقولة على الحديث المرتجل وهو يرتقي لهذا المنصب المهم ويخطب في حشد مليوني، كما استطاع بذكاء أن يلامس عاطفة الشعب المصري برفض بعض المظاهر الشكلية مثل تعميماته بالاعتذار عن التهاني الدعائية في الصحف وصرف نفقاتها على الصالح العام، وعدم وضع صورته في الدوائر الرسمية ورفض زوجته تسميتها بسيدة مصر الأولى، لكن هذه مثل الحبوب المهدئة، والمعول عليه في النهاية قدرته لا أقول على حل ولكن البدء الجاد في حل القضايا الشائكة مثل الأمن والفقر والبطالة وتحريك عجلة التنمية.

كما أن أمام الرئيس مرسي جملة من الأساطير والفرضيات التي بثها خصوم الإسلاميين عن حال مصر لو حكمها الإسلاميون، مجموع التهم هذه دور الرئيس أن يعمل على أن يقال عنه في نهاية فترته الرئاسية: فوكزه مرسي فقضى عليه.

[email protected]