تروس الآلة

TT

في الإدارات الحكومية هناك معيار حساس جدا لمعرفة حسن أداء القائمين على الأجهزة الإدارية المختلفة، وهو حقيقة الإنجاز وصدق ورضا الناس والإجماع على ذلك، وما هو غير ذلك يبقى محاولات من التجميل الإعلامي و«الزبرقة» الزائفة التي سرعان ما يختفي مفعولها.

أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ يومين قرارا مهما لقي الاستحسان والقبول لدى عامة الناس، وهو المتعلق بإعفاء المسؤول عن جهاز السكك الحديدية، ومديري جامعتي الملك سعود والملك خالد كذلك.

وليس خافيا على أحد ولا سرا أن سبب إعفائهم هو سلسلة الحوادث التي تكبدها قطار السكة الحديدية شبه اليتيم، الذي يعاني من شح الصيانة والإهمال حتى بات مثارا للسخرية والتهكم، وكذلك الأمر بالنسبة لمجموعة من الشكاوى التي طالت الجامعتين المذكورتين لأسباب إدارية مهمة ومختلفة باتت معروفة وتكرر ذكرها.

واضح أن «ترمومتر» قياس الأداء الحكومي بخير، وأن هناك قدرة جيدة على قراءة «رضا الناس» ومعرفة حسن الأداء واتخاذ القرار المناسب، وهو يذكرنا بالقرارات الممتازة التي أتت بوجوه إدارية واعدة وناجحة في مواقع إدارية حساسة بأجهزة الدولة، ولقيت هذه القرارات موجة كبيرة من الرضا والاستحسان.

قرار تعيين وزير التجارة والصناعة الدكتور توفيق الربيعة الذي يجيء بهمة وحزم ومتابعة وروح انعكست فورا على وتيرة أداء الوزارة ككل، وكذلك تعيين فهد المبارك في منصب محافظ مؤسسة النقد، ذلك الجهاز الحيوي والحساس، وها هو يستطيع إعادة الاحترام والجدية والوقار للموقع ويحارب بقوة فيه لخلخلة المحسوبية والشللية التي انتشرت، كل ذلك ليعيد بناء الثقة مع جهاز غير بسيط ومؤثر، وكذلك تعيين وزير جديد للحج، بندر الحجار، الذي يأتي بعقلية إدارية ناجحة وتوازن شخصي وقدرة مهمة على التواصل مطلوبة.

هذه مجرد أمثلة على قدرة الدولة في السعودية على «قراءة» مواقع الخلل في الأجهزة الإدارية و«معرفة» آراء العامة في الأداء. فإذا كان مؤشر الأداء والرضا قد بلغ مراحل دنيا خطيرة وجب التأخير، وهو ما حدث مثلا مع المسؤول عن جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذلك الجهاز الحساس جدا، وها هو المسؤول الجديد عنه، عبد اللطيف آل الشيخ، يفتح الصفحة تلو الأخرى من التواصل الإداري والإعلامي، الغاية الأساسية منها تطوير الجهاز الإداري بالهيئة وترسية جسور الثقة بين الهيئة والدوائر الحكومية الأخرى المعنية بالتعامل مع الجمهور، وكذلك مع الجمهور نفسه.

فكرة الإعفاء من المنصب الواضح هي في اللغة الرسمية للدولة السعودية اعتراف بحصول قصور في الأداء وضرورة الإبدال، وهو تطور نوعي في مواجهة فكرة تقييم الأداء والتنفيذ لخطط التنمية المقررة والمعتمدة.

السعودية بوصفها الاقتصادي المهم والأكبر في المنطقة وخططها التنموية الطموحة وتركيبتها السكانية الشبابية، لم يعد يسمح كل ذلك بوجود متقاعس أو متكاسل في المنظومة الإدارية الرسمية التي يجب جميعها أن تعمل كتروس الآلة الدقيقة متى تعطل أي من تلك التروس وجب استبدال آخر به حتى لا تتعطل المنظومة ويتأثر الكل، وهذا بالتالي سيكون مكلفا بشكل أكبر.

إن ما حدث في السعودية يتعدى إعفاء مسؤول عن جهاز سكة حديد كثرت الشكاوى منه وبات الأداء للجهاز معيبا، أو إعفاء مسؤولين جامعيين تبدلت الأولويات عندهما وأصاب الكيان الأكاديمي المشاكل وكثرت الشكوى، ولكن الموضوع الأهم هو أن البقاء سيكون للأصلح، وأن هناك معيارا جديدا لقياس الأداء.

[email protected]