بوتين يسابق تغييرات المنطقة بزيارة إسرائيل

TT

لعلها ليست مصادفة أن تكون زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إسرائيل هي فاتحة جولته الأخيرة في الشرق الأوسط في فترة رئاسته الجديدة، كما أنه ليس من باب الصدفة أيضا، أن تأتي الزيارة في هذا الوقت بما فيه من حساسيات تحيط بأوضاع الشرق الأوسط، وخاصة في ملفين هما الأكثر خطورة وإثارة في ملفاته الساخنة؛ أولهما ملف الأزمة في سوريا، والثاني ملف إيران النووي، ولكل من الملفين تداعيات إقليمية ودولية كبيرة وخطيرة، وكلاهما موضع اهتمام شديد وتفاعل من جانب روسيا وإسرائيل.

وسط تلك الظروف جاءت زيارة بوتين إلى إسرائيل، التي لا شك في أنها كانت هامة وحساسة، على الرغم من أن الرئيس الروسي بوتين حاول التخفيف من أهميتها وحساسيتها، بأن جعلها تبدو في إطار جولة شملت الأراضي الفلسطينية والأردن، فيما حاول الإعلام الروسي والإسرائيلي ذلك، عندما وصف زيارة إسرائيل بأنها كانت «ودية»، أو «دينية».

لقد تزامنت الزيارة مع تسخين خطير في ملفي سوريا وإيران في المستويين الإقليمي والدولي، حيث تم وضعهما أمام خطوات عملية وإجرائية، وسيكون لروسيا دور في تحديد اتجاهات التعامل مع هذين الملفين في الفترة القريبة المقبلة، الأمر الذي جعل منهما موضوعا رئيسيا في مواضيع الزيارة، وهو في الأقل موضوع تشاور بين الطرفين اللذين أكدا في مباحثاتهما تطابق وتقارب وجهات النظر، حسب المصادر الإسرائيلية، وهو وضع تفسره المصادر الإسرائيلية بالقول إن قيام بوتين بتأكيد تعاون موسكو مع إيران وحق الأخيرة في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، لا يعني ممانعة روسيا شن هجمات على إيران، وهو تحول كبير في الموقف الروسي أكده قول بوتين إن «روسيا لن تذرف الدموع» إذا ما هوجمت إيران.

أما في الموقف من الأزمة السورية، فقد كان الموقف الروسي أكثر حذرا ومداورة، الأمر الذي ظهر في محدودية طرح الموقف الروسي وتناوله في الإعلام، غير أن إشارات روسية عدة في الموضوع هدفت إلى تبديد المخاوف الإسرائيلية من تداعيات الأزمة السورية، ومنها احتمال اندلاع حرب سورية - إسرائيلية، الذي قوبل بتعهد من بوتين بحماية مليون روسي يقيمون في إسرائيل، بمعنى تعهد إسرائيل بمنع ذلك الهجوم، أو تعهد بردعه إذا حصل. كما طمأن بوتين الإسرائيليين بصدد أسلحة سوريا غير التقليدية في أنها لن تصل إلى أيد وتنظيمات متطرفة، وأنه سيعمل شخصيا لمنع حدوث ذلك.

والتشاور الروسي - الإسرائيلي في الملفين السوري والإيراني، يمثل بعضا من تفاصيل تعزيز العلاقات الثنائية الروسية – الإسرائيلية وتطويرها، وهي في الأهداف الرئيسية للزيارة، وقد جاءت بعد فترة من برود أحاط بها في جوانبها السياسية والاقتصادية وغيرها، ولعل المؤشر الأبرز في تعزيز العلاقات يظهر في حجم الوفد الروسي الذي رافق بوتين، وقد وصل أربعمائة مرافق من تخصصات متعددة، بينهم عدد كبير من رجال الأعمال، وثمة مؤشر آخر وهو لقاء بوتين مع عدد كبير من زعماء إسرائيل على اختلافهم، وبينهم رئيس الدولة شيمعون بيريس، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومواطنه الروسي المافيوي أفيغدور ليبرمان الذي يعد من أكثر الإسرائيليين تطرفا ضد العرب.

لقد دعم بوتين مسعى زيارته لإسرائيل في تعزيز علاقات الطرفين بإشارات شخصية لا تخلو من دلالات سياسية، كان بينها قيامه بزيارة حائط المبكى بالقدس العربية معتمرا القلنسوة ومؤديا شعائر التدين اليهودي، واختتم جولته في منطقة الحرم القدسي بالقول: «هنا نشاهد كيف أن التاريخ اليهودي محفور في حجارة القدس»، في خطوة تعزز الادعاءات الإسرائيلية حول يهودية القدس خلافا لمنطوق القرارات الدولية والموقف الروسي المعلن.

زيارة بوتين لإسرائيل بما حملته من مؤشرات، لا تفتح الباب أمام تعزيز علاقات الجانبين فقط بعد فترة من برود، بل تأتي في إطار تعزيز الحضور الروسي في المنطقة عبر إسرائيل، خاصة أن علاقات موسكو الإقليمية التي فيها عدد من دول المنطقة بينها إيران وسوريا، تعاني مشاكل جدية في الواقع الحالي، وثمة ضرورة لشبكة إقليمية مؤازرة أو بديلة، تكون العلاقة مع إسرائيل أساسية فيها، مما يفتح باباً أوسع أمام تعاون إقليمي روسي – إسرائيلي في المرحلة المقبلة في ضوء ما تحمله أحداث المنطقة من احتمالات مفتوحة في أكثر من اتجاه، ربما الأهم فيها ما يمكن أن يحدث في إيران وسوريا، لكن لبنان والعراق وتركيا والأردن ومصر وغيرها من بلدان المنطقة ليست بلدانا خارج التغيير والتبديل، وربما الصراعات الإقليمية والداخلية أيضاً.