ماذا ستفعل إيران لمجابهة عقوبات قاسية؟

TT

الآن بدأت العقوبات الجدية على إيران فعليا، ومن المستبعد ركون النظام الإيراني إلى الأمر الواقع والتسليم به، سواء كان الركون قبولا بتجاوب إيجابي في المفاوضات النووية، أو بتجرع ضربة العقوبات ومواصلة البرامج النووية حتى بلوغ الهدف؛ حيث توجد خيارات لتسخين الموقف، بعيدا عن الحرب الشاملة.

العقوبات المالية السابقة والمقاطعة النفطية، ستؤديان إلى مشكلات اقتصادية لإيران بكاملها.. فالخلل في العائدات المالية للدولة من العملات الصعبة ينعكس سلبا على دعم المواد المعيشية الأساسية للفرد، وإعطاء دور أكبر للتجار للاستيراد. وبما أن الدولار سيكون شحيحا في الأسواق ولدى البنك المركزي الإيراني، فسيحدث تراجع كبير في قيمة العملة المحلية بمرور الوقت. ومع عدم وجود بدائل لمعالجة الموقف، فإن وطأة العقوبات ستترك أثرا كبيرا على الحياة المعيشية للطبقات المسحوقة، وتدفعها إلى حراك ما.. وهو ما لا يستطيع النظام تحمله لفترة طويلة.

ولست ميالا للأخذ بما يقال عن أن العقوبات ستؤدي إلى وقف الدعم المخابراتي لما يطلق عليه قادة الحرس الثوري «جيوش الحرية». فأي تقليص قوي لمستوى الدعم سينعكس سلبا على المشروع الخارجي الإيراني برمته، مما يشكل أولى دلالات الفشل، وهو ما لا يفترض التسليم به خلال فترة منظورة. ربما يحدث تقليص محدد في مجالات صرف غير منتجة، لا أثر له على البرامج المعتادة. وإذا ما حدث تصادم إيراني - أميركي، فإن رد فعل أنصار النظام في الخارج سيكون هامشيا.

ولا يمكن أن يمر شد الأحزمة على البطون من دون حدوث مشكلات داخلية، على الرغم من الضربات القاسية التي تلقتها قيادات المعارضة خلال السنتين الأخيرتين، فالشعوب الإيرانية عرفت بقدرتها على الحراك، وهذا ليس حكرا على المناطق التي لا تلتقي شعوبها مع المركز في القاسم المشترك العام للدولة. غير أن الوقت لا يزال مبكرا للتنبؤ بما سيحدث، لأنه يتأثر نسبيا بالموقف الخارجي، الذي لم يظهر ما يدل على توجهاته، دوليا وإقليميا.

أما رد الفعل العسكري، فتبدو خياراته محدودة، على عكس كل المناورات والتصريحات والتهديدات بغلق المضيق والحرب. ويرجح أن تكون الخيارات وسطية، فلا هي إذعان واستسلام، ولا هي حرب مفتوحة. والمرشد الإيراني وحده من يقرر الخيارات، وليس البرلمان أو الرئيس. لكون التهديد يمس النظام، فالمسؤولية تقع على المرشد ومقرات المستشارين المحيطين به، وهم فريق متخصص في المجالات العسكرية والمخابراتية والإعلامية والسياسية والاقتصادية. لذا، لا ينبغي التأسيس على كل ما يصدر عن مسؤولي البرلمان ورئاسة الجمهورية، فما يقوله هؤلاء يمثل آراءهم الشخصية، إن لم يكن موجها من المرشد.

ما يقال عن مناورات صاروخية لمحاكاة حالات معينة، كمهاجمة قواعد جوية وبحرية في المنطقة، لا يخرج عن سياقات الحرب النفسية في رد الفعل. فمهاجمة أي قاعدة لا تحتاج إلى محاكاة؛ بل المطلوب يتحدد بالتأكد من وجود الوسائل، ودراسة رد الفعل، والحالتان درستا عشرات المرات علنا وسرا. وتقوم القوات الأميركية حاليا بمواصلة تعزيز تشكيلاتها الجوية والبحرية في منطقة الخليج وبحر عمان، لتأمين تفوق في الرد على النشاطات المسلحة الإيرانية. والإيرانيون يراقبون التحركات ولهم الخبرة في تقدير رد الفعل. والتلويح الغربي بعواقب غلق المضيق لم يعد أحد يجهله.

من الخيارات المرجحة، أن تقوم زوارق سريعة تابعة لبحرية الحرس الثوري، بعمليات استفزازية بمراحل متسلسلة، لعرقلة الملاحة البحرية، خصوصا ناقلات النفط، وليس وقفها، وتبقى انعكاسات مثل هذه التحركات محدودة بزيادة رسوم التأمين وارتفاع أسعار النفط. ومن غير المتوقع أن يتعدى الرد الأميركي النطاق التعبوي للنشاطات. ومثل هذا الأسلوب جرى تطبيقه خلال الحرب العراقية - الإيرانية تجاه سفن غير عراقية، وعولج من دون تصعيد كبير، مع عدم إغفال تطور القدرات البحرية الإيرانية خلال العقدين الماضيين.

ويبقى قرار استخدام الألغام أكثر تعقيدا من استخدام الزوارق، لأن ضرره أكبر ومعالجته أكثر صعوبة. إلا أنه خيار لا يمكن استبعاده، ويمكن أن يؤدي الاستخدام الواسع للألغام إلى مشكلات لا تحلها بضع كاسحات ألغام، والتمادي فيه قد يجر إلى ردود فعل واسعة، وعدم الاكتفاء بإجراءات دفاعية.

الموقف بات حساسا للغاية، إلا أن آثار التصادم الواسع، إذا ما وقع، تجعل الطرفين أكثر ترددا في اتخاذ قرارات حاسمة. والطرفان ماضيان، ومع مرور الوقت تصبح الاحتمالات مفتوحة.