التنشئة السياسية.. وانتخابات بلا انتهاكات

TT

في انتخاباتنا في البلاد العربية، غالبا ما تتعالى الصيحات والصراخات والهتافات والاحتجاجات بأن هناك انتهاكات وتجاوزات وانحرافات، والتي قد تؤدي إلى اشتباكات وصراعات وتبادل للاتهامات وتراشق بالألفاظ والشتائم والتي تصل لحد التشابك بالأيدي.

ولعل السؤال المهم المطروح: متى سيصبح لدينا انتخابات بلا انتهاكات؟

الانتخابات منظومة متكاملة، لا يمكن إصلاحها بمعزل عن البنية العامة للمجتمع، فالانتخابات لا تنفصل عن البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليمية والثقافية والأخلاقية في المجتمع، فضلا عن خصوصية البنيات والممارسات الحزبية والتيارات والانتماءات التي ينتمي إليها المرشحون، والتي قد يؤدي الاختلاف فيما بينها إلى صراعات واتهامات، تتسبب في استفزاز وإثارة للرأي العام بشكل قد يؤدي لحدوث اضطرابات وفوضى في البلاد.

في الانتخابات في الدول المتقدمة، يفاضل الأفراد بين البرامج الانتخابية والمرشحين، وينتقدون البرامج من دون صراعات أو انتهاكات، ويتجهون لصناديق الاقتراع لاختيار مرشح أو حزب معين، بناء على قيم ومبادئ وبرامج ومصالح وطنية عامة وكبرى تحقق التنمية والعدالة الشاملة، وتسهم في النهاية في تحقيق صالح ومصالح وطموحات الوطن والمواطن، وكذلك في الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم ومكتسباتهم المشروعة، هم يذهبون لصناديق الاقتراع من أجل أمل في التغيير نحو حياة كريمة ومجتمع أفضل، بينما في انتخاباتنا قد يتمثل هدف المرشح أولا في احتكار السلطة وخدمة نفسه وأهله، كما أننا عند اختيار المرشحين، قد نفتش في عيوب بعضنا البعض، وفي شخصية المرشح وحياته الشخصية للبحث عن عيوبه، بدلا من البحث والتفتيش في مدى جدية المرشحين وبرامجهم الانتخابية وآليات تنفيذها، وقد نذهب للاقتراع لاختيار مرشح أو حزب ما، لتحقيق أهداف ومصالح ومكتسبات شخصية، أو من أجل انتقامات أو تصفية حسابات شخصية وسياسية حزبية، أو لإطلاق شائعات، وهي جميعا أهداف مدمرة لا تخدم أهداف الثورات التي قامت من أجلها، من إرساء لدعائم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والتغيير والتفكير المستنير، كما لا تخدم مصالح الوطن والمواطن، من أجل مستقبل أفضل، وبالتالي فإن الأهداف والمصالح القاصرة والضيقة للأفراد عند اختيار المرشحين، قد تؤدي في النهاية لإشاعة الاضطرابات والفوضى في البلاد، ونشر الفرقة والتمزق بين فئات وأفراد المجتمع.

لا شك أن الثقافة والتنشئة والتربية السياسية، والتربية السلطوية التي نعتمد عليها في تنشئتنا، والتي تقوم على الشك في الآخر المخالف، ورفض النقاش وعدم تقبل واحترام الرأي الآخر واعتباره نوعا من الوقاحة في التعبير، قد تكون سببا فيما يحدث في الانتخابات من انتهاكات واتهامات بالتزوير وتغيير في النتائج لصالح مرشح ما، والتي جميعها تعكس عدم قدرتنا على تقبل نتائج صناديق الاقتراع إذا ما أفرزت نتائج غير متوقعة وغير مرغوب فيها.

لقد آن الأوان أن نقوم بحملات واسعة غير حزبية من أجل تنشئة وتربية أبنائنا منذ الصغر تربية سياسية صحيحة، إلزامية لجميع طلبة المدارس والجامعات، بما يتناسب مع مراحلهم العمرية، تقوم على غرس قيم الولاء والانتماء وحب الوطن، وإرساء دعائم الحوار الهادف البناء واحترام وتقبل الرأي الآخر والمخالف، وأن تتضمن هذه الحملات، إصلاح نظام التعليم والمناهج فيما يتعلق بدروس الموضوعات والمجالات السياسية، حتى يتكون لديهم الفهم الأفضل لممارسة السياسة والتعبير عن الرأي السياسي والقيام بدور في مجال الديمقراطية، وأن تقدم لهم من خلال التعليم، الأدوات والمعلومات اللازمة والمناسبة، التي تمكنهم من القيام بدور كامل في مجال الديمقراطية والمجتمع. وبالإضافة إلى ذلك، هناك أهمية لتوسيع فرصة نطاق ممارسة التربية السياسية خارج الفصول الدراسية، من تشجيع على التصويت لممارسة النظام الديمقراطي، وتقبل نتائج الانتخابات طالما أجريت بطريقة شرعية صحيحة، وعقد المناقشات والمناظرات، بمساعدة من النواب وأعضاء المجالس المحلية، لتعليم وتدريب الطلبة على التجارب الانتخابية وأسس المناقشة والحوار وآداب الخلاف والاختلاف. وأهمية دور فضائياتنا المتزايدة في المساهمة في التربية السياسية والتثقيف السياسي للجماهير.