ليبيا محمود جبريل ورفاقه

TT

ليس هناك ما يبنى عليه في الانتخابات الليبية حتى الآن، سوى أنها جرت، وربما تكون التزكية الأخرى لها، أن الرئيس جيمي كارتر لم يأت من بنسلفانيا ليشهد لها، كما شهد من قبل لانتخابات السودان وعموم أفريقيا، وسوف أغامر، بكل معنى الكلمة، برأي، أو موقف، أرجو أن يبقى صالحا إلى زمن طويل.

أنا من الذين أحبوا ليبيا ذات زمن، ومن الذين يقدرون الدكتور محمود جبريل، ليس لأنه يرأس كتلة ليبرالية أو محافظة أو متطرفة، وإنما لأن محمود جبريل رجل عقل وثقافة وآفاق، ويعرف العالم. وبين الذين برزوا في الواجهة بعد سقوط ملك ملوك أفريقيا وعودة ليبيا إلى العقل والسوية، بدا الدكتور جبريل الأكثر معرفة ودراية واطلاعا وهدوءا، والأقل تعطشا للثأر في بلد قبلي، رغم سعة البحر وطول الشاطئ، وفيه نزعات انفصالية رغم الخير العميم والسكان القلائل.

المرحلة الانتقالية كانت صعبة وقد تطول، فبعد أربعين عاما من الترهات والتيجان المضحكة، من الصعب العثور على الدولة بسهولة. تشبه ليبيا اليوم ليبيا تحت الوصاية الدولية حيث ذهبت الأمم المتحدة إلى العالم العربي تبحث لها عن أفراد للجيش والشرطة، لقد تركها التهريج من دون أي مؤسسة عاملة سوى مؤسسة المخابرات، والباقي أفريقيا، كونغو على سيراليون على ليبيريا على أخرى.

لم يكن محمود جبريل بعيدا عن الجماهيرية، فذلك كان قدرا على رؤوس الليبيين، لكنه لم يكن «جماهيريا». لم يكن عضوا في اللجان ولا أمينا فيها، كان رجلا خبيرا استعان به سيف الإسلام القذافي في محاولات اليقظة والغيبوبة، لتصليح هيكل الجماهيرية وإبقائه على قيد الحياة.

في أي حال، المهم من أين تبدأ ليبيا الآن، والأهم أن محمود جبريل كفاءة عالية وحيوية بين السياسيين المرئيين، وبرغم قصر التجربة فقد يبني بعد الثورة علاقات ثقة واعتبار مع العواصم الرئيسية، وترك انطباعات حسنة في كل مكان.

كم هي شاقة المرحلة التالية في ليبيا، مرحلة مصالحات بين الأقاليم، ومرحلة بناء، ومرحلة الخروج من أضحوكات العقود الأربعة إلى إقامة جيش وأمن ومحاكم ومصرف مركزي لا يخفض الدينار 50% كل عام، مرحلة يتذكر فيها الليبيون من جديد دولة القانون، ويعتادون على أصولها ومنطقها وأجهزتها، دولة الشرطة فيها الأمن والطمأنينة وليس الرعب والقهر والقتل. كان عنوان رواية الليبي هشام مطر (بالإنجليزية) «في بلاد الرجال»، يعني يومها في بلاد العناكب العمياء والظلم وزمرة باب العزيزية.