نحن في ذيل القائمة!

TT

قال محدثي الأميركي: «أنتم معشر العرب لديكم خيالات سياسية جامحة بعيدة عن الحقيقة والمنطق».

سألته، رغم أنني أعرف الإجابة مقدما: ما الذي يدفعك كي تقول ذلك؟!

رد في ثقة: «سوف أعطيك مثالا واحدا على حالة التهيؤات السياسية التي تصيب العقل السياسي العربي»

قلت: ما هو؟

رد: «نحن الآن في خضم معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وأولويات المعركة هذه المرة تعتمد بالدرجة الأولى على الملف الداخلي وهي بالترتيب الاقتصاد، البطالة، مشروع أوباما للضمان الصحي، ضبط معدلات التضخم».

ثم عاد وأضاف: «ورغم ذلك فإن كتابكم وكبار المحللين العرب يتحدثون ليل نهار عن الاهتمام المتصاعد الذي تعطيه الإدارة الأميركية لملفات سوريا وفلسطين والعراق ودول الربيع العربي بينما واقع الحال يضعها في ذيل قائمة إدارة أوباما».

وحينما نحاول تطبيق الواقع على كلام الصديق الأميركي المطلع على الأمور في واشنطن، نكتشف أن كلامه شديد الدقة. فالساسة في لبنان يعتقدون أن مصادمات أحد أزقة قرية من قرى الشمال اللبناني هي ما يؤرق نوم أوباما. والمتظاهرون في ميدان التحرير بمصر يعتقدون أن جنسية والدة أحد المرشحين للرئاسة هي مؤامرة رئيسية للاستخبارات الأميركية. أما أحد كبار مساعدي الرئيس بشار الأسد فإنه يؤمن تماما بأن البنتاغون قد يعلن حالة التأهب النووي لما يحدث في حماه وحلب وريف دمشق!

الإحساس الزائف المتعاظم ليس له ما يبرره، خاصة إذا علمنا أن إجمالي الناتج السنوي القومي لكافة الدول العربية مجتمعة لا يزيد على واحد في المائة من الناتج القومي الأميركي!

العالم العربي مهم، من ناحية مصادر الثروة في النفط والغاز وفي أهمية الممرات المائية الاستراتيجية، لكنه ليس أهم من الوزن النسبي للعملاق الصيني الذي يعتبر المستثمر الأول في أسواق المال الأميركية. والعالم العربي ليس أهم من روسيا بوتين، وليس أهم من الالتزام التاريخي بالمصالح الإسرائيلية، وليس أهم من العلاقة مع الشريك الأوروبي، وليس أهم من دول النافنا (كندا والمكسيك)، وليس أهم من العلاقات التجارية مع اليابان وكوريا الجنوبية. هذا ليس تقليلا من حجم دور العالم العربي في السياسة العالمية وفي جدول الاهتمامات الأميركية، لكنه محاولة عادلة لتجاوز حالة تضخيم الذات دون مبرر ودون أي عناصر قوى مؤثرة!