الفضيحة المصرفية التي تخشاها «وول ستريت»

TT

متى توقفت عن تصديق وعود «وول ستريت» بأن آخر فضيحة مصرفية هي مجرد حالة فردية ولن تتكرر؟ ربما يشهد الأسبوع الحالي النقطة الحاسمة بالنسبة لكثيرين ممن يصدقون بسهولة، وتتمثل تلك النقطة في فضيحة التلاعب بسعر الفائدة على القروض بين المصارف في لندن «ليبور». ويعد سعر الفائدة على القروض بين المصارف، وما يعادلها في أوروبا «يوريبور»، سعر فائدة معياريا يتحدد بصورة يومية بعد تقدير المتداولين في المصارف الهامة لأسعار الفائدة التي يمكن دفعها على ما تحصل عليه من قروض. وتم استخدام هذا المعيار بعد ذلك في «تحديد أسعار الفائدة على قروض تقدر قيمتها بـ350 تريليون دولار ويورو فضلا عن التزامات مالية أخرى على مستوى العالم». نعم 350 تريليون دولار.

إذا كان لديك بطاقة ائتمان أو حصلت على قرض سيارة أو قرض للطلبة أو أي شكل من أشكال القروض الأخرى بما في ذلك قروض الرهن العقاري، التي عليها سعر فائدة مرتفع، فهناك احتمال كبير بأن يستخدم تحديد سعر الفائدة على أي من تلك القروض طبقا لهذا المعيار.

لكن مصرف باركليز، لا يمثل سوى أول قطعة من قطع الدومينو، حيث وردت أسماء مصارف تتراوح بين 15 و20 في عدة تحقيقات أو دعاوى قضائية متعلقة بسعر الفائدة على القروض بين المصارف في أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية. وصرح الرئيس التنفيذي لمصرف متعدد الجنسيات إلى مجلة «إكونوميست»: «إنها لحظة انكشاف الحقيقة في القطاع المصرفي، نعم إنها كذلك».

لفضيحة التلاعب في سعر الفائدة على القروض بين المصارف نكهتان، لكن لها جزآن يوضحان مشكلات الثقافة التنظيمية والمصرفية وهو أمر نادر. الأقل شرا في الجزأين هو الجزء الأخير الذي يبدأ عام 2008 عندما أبقى مصرف «باركليز» وعدد من المصارف الأخرى على أسعار الفائدة عند مستوى منخفض من أجل إخفاء الحالة المزرية لميزانياتهم، وهو ما يعد فعلا شائنا في حد ذاته. ورغم أن الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستوى منخفض كان مفيدا للعملاء على المدى القصير، أخفى ذلك الوضع الخطير لتلك المصارف. الأسوأ من ذلك هو أن الأدلة المتاحة تشير إلى أن بعض المنظمين شجعوا المصارف على الإبقاء على انخفاض أسعار الفائدة بشكل مصطنع. وكما أشار ناعوم سكيبر يؤكد ما حدث من تلاعب أن فساد القطاع المصرفي لا يحتاج لفساد واضح من خلال امتلاك مسؤول حكومي أسهما في مصرف من المصارف أو حتى رغبته في العمل بمصرف ما بعد مغادرته المنصب، بل لا يتطلب الأمر أكثر من مصارف ضخمة بالقدر الذي يثير رعب المسؤولين القائمين على مراقبتها مما يمكن أن يحدث في حال انهيارها، وعندها سوف يتفانى هؤلاء الموظفون في مساعدة تلك المصارف الضخمة على البقاء بأي ثمن، حتى وإن كان ذلك من خلال طرق غير نزيهة أو شريفة.

مع ذلك قبل عام 2008 كان التلاعب بسعر الفائدة على القروض بين المصارف محدودا، حيث كان يعمل المصرفيون الذين لديهم معلومات تجارية سرية مع متداولي العقود الاشتقاقية من أجل تغيير أسعار الفائدة التي تحددها المصارف وزيادة أرباحها. ويوجز ماثيوز هذا بقوله: على سبيل المثال، كانت تتم المراهنة على زيادة سعر الفائدة على القروض بين المصارف، ثم تحديد أسعار فائدة مرتفعة بشكل مصطنع وزائف مما سيؤدي بدوره إلى زيادة متوسط سعر الفائدة على القروض بين المصارف بشكل غير حقيقي مما يتيح تحقق أرباح من وراء ذلك. ولم يضر هذا فقط بالمستثمرين على الجانب الأخر من العملية، بل أيضا إلى زيادة سعر الفائدة، حتى وإن كان ذلك بمقدار ضئيل، على قروض الرهن العقاري بالنسبة للمستهلكين حتى لو لم تتغير مخاطر القروض على الإطلاق.

يبدو أن مصرف «باركليز» لم يكن هو وحده المتورط في هذه الفضيحة، بل تواطأ مع مصارف أخرى من خلال تعامل مسؤولي التداول بها مع المطلعين على معلومات سرية في مصارف أخرى. وجاء في مجلة «إكونوميست» أن هذا التواطؤ واسع النطاق يبدو أشبه بممارسات العصابات أكثر من كونها تجاوزات من مسؤولي التداول.

من البديهي أن تكون الخطوة الأولى الواجب اتخاذها هي محاسبة المصارف المتورطة بشكل كامل قدر الإمكان. ويجب أن يُسجن مسؤولو التداول ومقدمو المعلومات السرية التجارية المتورطون في عملية التلاعب من أجل تحقيق أرباح. ويجب أن يتم ذلك بشكل فردي بموجب قانون اللائحة الفيدرالية لجرائم الاحتيال عن طريق وسائل الاتصالات. ولضمان عدم تكرار واستمرار مثل تلك الممارسات وإيصال الرسالة إلى القطاع المالي، يجب على الإدارة في تلك المصارف تحمل المسؤولية وتلقي الجزاء. سوف نسمع الأعذار المتعارف عليها ومنها عدم معرفة المسؤولين بما يحدث رغم كتابة صحيفة «فاينانشال تايمز» وصحف أخرى عن هذا الأمر منذ عام 2007. وحتى بعد علمهم بهذا، سيقولون إن من يتحمل المسؤولية حفنة من مسؤولي التداول المتجاوزين ورؤسائهم المباشرين لا كبار المسؤولين في المصارف. كذلك سيقولون إنه ينبغي لكبار المسؤولين الاحتفاظ برواتبهم ومكافآتهم الهائلة لأنهم يستحقونها وحصلوا عليها بفضل ذكائهم واجتهادهم في العمل. ربما تضحك من ذلك، لكن هذا ما قاله بوب دايموند، الرئيس التنفيذي السابق لمصرف «باركليز» الذي قدم استقالته مؤخرا يوم الخميس أمام البرلمان البريطاني. ويدرك الذين يميلون إلى تصديق حسن نوايا المصارف الكبرى أن السمة الأساسية المشتركة في تلك الأعذار هي الجبن. ولا يتطلب تحقيق الأرباح الكثير من الذكاء والجهد عندما تحدد سعر فائدة وتراهن على هذا السعر في الوقت ذاته، وكذلك القيام بعمليات احتيال في مدن عندما ترشو مسؤولي المجلس المحلي بها، وجني ملايين الدولارات من بيع سندات لا قيمة لها عندما تضعف نفوذ جهات التقييم التي من المفترض أن تقيمها. ما الذي يوضحه وجود «عمالقة» المال الذين لا يزالون يندفعون نحو تحميل المجتمع مسؤولية المخاطرة من خلال نهج إنشاء مؤسسات مالية ضخمة بحيث يسبب انهيارها كارثة وذلك بهدف تحميل سوق الإسكان المسؤولية عن الأزمة دون وجه حق، والتملص من كل محاولة جديدة لإلقاء اللوم ومساءلة القطاع المصرفي؟ تعلمنا فضيحة التلاعب بسعر الفائدة على القروض بين المصارف مرة أخرى، ربما على نطاق يشمل عدد أكبر من الناس، الدرس الذي تخشى المصارف الكبرى أن تصدقه الناس وهو فساد القطاع حتى النخاع في الوقت الراهن.