العض!

TT

تنهار الأنظمة اللاأخلاقية في العالم، عبر التاريخ، بعد سقوط عشرات الآلاف أو عشرات الملايين، كما في حالة ماو وستالين وهتلر، الذين ورثوا في العصر الحديث رجالا مثل نيرون وهولاكو وتيمورلنك وإيفان الرهيب. ينصب التاريخ باللعنة والإدانة على رعب ستالين، وشهوة القتل عند ماو، وجنون نيرون، وينجو من شباك اللعنة الدنيوية الجلادون والمصفقون، والذين ساهموا إلى حد كبير في صناعة التأليه، والعبادة الذاتية، وتطريب الموت والقتل والعذاب والفقر.

المستبد، بطبعه، لا يطيق المساءلة، ويكره الحقيقة وأي حقيقة، والرجل الذي يبدأ حكيما يجرده المنافقون من حكمته لكثرة ما يحاصرونه، بحيث لا يعود يرى سواهم ولا يسمع غيرهم، وفي النهاية يلقى وحده اللوم، أو النهاية التي سقط فيها هتلر، أهمية دولة القانون أنها تضبط الاستبداد والجنون، مبكرا، في الفرد، وإن لم تضبطه في الجماعة كما حدث في حروب أميركا بعد الحرب العالمية الثانية.

لكن حيث يغتصب الفرد المستبد القانون، يغتصب كل شيء آخر معه، وينكل أولا برفاقه وثانيا بشعبه، بدأ ماو تسي تونغ «مسيرته الكبرى» بقتل 700 ألف من رفاقه ومواليه قبل أن ينصرف إلى قتل خصومه ومعارضيه (يراوح الرقم بين 40 و60 مليونا)، وكان بين من تخلى عنهم، لين بياو، الرجل الذي أقنعه بنشر «الكتاب الأحمر الصغير» المليء بالقصائد العادية والسفاهات غير العادية.

أفلت ماو زوجته جيانغ جنغ في «الثورة الثقافية» على رفاقه أولا، وكان أهم ما فعلته «الثورة الثقافية» تدمير كل أثر ثقافي في البلاد، والذين يلومون «طالبان» على هدم التماثيل التاريخية في أفغانستان ومالي، ينسون أن البدعة بدأت مع صاحب «الكتاب الأحمر الصغير» وصاحب التفسير الخاص لفكر كارل ماركس. عندما حوكمت جيانغ جنغ قالت: «لقد كنت كلبة الرئيس ماو، إذا أشار إلى أي كان انهلت عليه عضا»، وقتلا!..

ثلاثة ملايين قتلوا في «الثورة الثقافية»، كبار رفاقه أدخلهم السجن أو تركهم، مثل الرئيس تشاوتشين، للفقر والعزلة، فلنفكر قليلا في التاريخ. المسؤول الأول هو «الكلاب» كما سمت جيانغ نفسها، يجب أن يختار الحاكم بشرا يرشدونه لا كلابا يطلقهم على الناس، منه استعار صدام والقذافي مصطلح «الكلاب الشاردة» أو «الضالة» لوصف الخصوم وإرسال من يقتلهم في بلاد الناس، الكتب التي وضعت عن «فكر» القذافي، والمؤتمرات التي عقدت لـ«مناقشة» هذا الفكر، هي التي وسعت الاستبداد المجنون ومدت في طغيانه.

وضع وزير عراقي قصيدة في صدام يرفعه فيها فوق الذات الإلهية، وانتهى بأن قتلوا ابنه لأنه ذهب للدراسة في الكويت، ثم قطعوا لسانه المؤله للسيد الرئيس، وبعد ذلك قتلوه وهو غير قادر على الشكوى إلا إلى ربه. ماتت جيانغ في السجن بلا أسنان، غير قادرة على أن تعض أحدا، سوى قبضة الرز المسلوق.