بشار الأسد: بين مبارك والقذافي!

TT

يبدو أن التفجير الذي وقع يوم الأربعاء التاسع عشر من يوليو (تموز) في دمشق هو نقطة التحول في تاريخ سوريا المعاصر. باختصار، فقد النظام السوري كبار قادته الأمنيين والعسكريين. وقع التفجير داخل مقر مجلس الأمن القومي في سوريا، إذ كان المسؤولون يعقدون اجتماعا لـ«خلية الأزمة» التي تم تشكيلها لقمع الثورة المستمرة منذ 16 شهرا ضد نظام الأسد.

ليس من الصعب تخيل كيف قتل كل المشاركين في هذا الاجتماع الذي كان يخضع لإجراءات أمنية مشددة. أولا، صرح التلفزيون السوري بأن جميع المشاركين في الاجتماع في صحة جيدة. لكن بعد ذلك، بدأوا تدريجيا في الإعلان عن أسماء المصابين، من بينهم وزير الدفاع ونائبه آصف شوكت، وتوركماني، وفي النهاية، تقبلوا أن وزير الداخلية أيضا قد قتل. إضافة إلى ذلك، فقد قيل إن هاشم بختيار وافته المنية أيضا. لكنهم لم ينبسوا ببنت شفة عن حافظ مخلوف. بيد أن المبنى كان قديما وبه غرف صغيرة، لكن لم يكن من المصدق أن مثل هذا المبنى الموجود في مكان يخضع لإجراءات أمنية مشددة سيتدمر جراء تفجير. أعتقد أن بإمكاننا تحليل الحادث من زوايا كثيرة.

كنا نتوقع رد فعل بشار الأسد تجاه الحادث. ولم نشهد أي كلمات أو رد فعل من جانب بشار الأسد حتى الآن. وحسبما أفادت وكالة أنباء «رويترز»، لم يظهر الرئيس السوري ولم يدل بأي تصريح يوم الأربعاء عقب وقوع التفجير الذي راح ضحيته صهره القوي ووزير دفاعه وجنرال رفيع المستوى.

في الساعات الأولى من صباح الخميس، لم يأخذ السكان أي هدنة في أشرس معركة تشهدها العاصمة خلال ثورة استمرت لمدة 16 شهرا ضد نظام الأسد.

وفي عام 1981، أتذكر أنه بعد ساعتين من قصف المقاتلين العراقيين مطار طهران، ظهر آية الله الخميني على شاشة التلفزيون وخاطب الأمة قائلا «لقد قذف رجل مجنون حجرا». كانت نبرة صوته رقيقة وهادئة. الآن، نحن نشهد غياب بشار الأسد. ولهذا، تم تداول بعض التكهنات والتخمينات. كانت رسالته بعد التفجير خاطئة، مثلما أعلن التلفزيون السوري ووكالة أنباء «سانا».

استنادا إلى تقرير آخر، فقد تعرضت سيارته لهجوم من قبل الجيش السوري الحر. أكدت وزارة الإعلام أن هذا التسجيل الصوتي المتناقل على الإنترنت غير صحيح ومفبرك وهو دليل عجز وإفلاس جديدين.

الأخبار والصور التي تبثها مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي عارية عن الصحة وهي إعداد أجهزة استخباراتية.

ثمة سؤال واضح يطرح نفسه، ألا وهو: أين بشار الأسد؟ بعد 38 ساعة فقط، نشر التلفزيون السوري فيلما عن بشار الأسد مع وزير الدفاع الجديد، لكنه لم ينشر كلمة واحدة على لسان الأسد.

1 - يبدو أن بشار الأسد يواجه الآن كارثة هائلة، هل يعتقد أن هذا هو الوقت المناسب للتخلي عن السلطة؟ هل سيفضل سوريا على نظامه؟ ربما يعتقد أنه قلب وقالب سوريا، وأنه سيكون قائدها للأبد، مثلما تشير عبارات أحد الشعارات الحكومية:

«قائدنا إلى الأبد عقيد بشار الأسد».

2 - في حديثه أثناء زيارته لأفغانستان، قال كاميرون: «لدي رؤية جلية للرئيس الأسد. لقد حان الوقت لرحيله. إنه وقت التحول في النظام. إذا لم يحدث تحول، فمن الواضح أنه ستندلع حرب أهلية». أعلنت المعارضة السورية عن «بداية النهاية» بالنسبة لنظام بشار الأسد عشية الأربعاء عقب وقوع قصف في قلب دمشق أودى بحياة ثلاثة من أقرب المقربين للرئيس، من بينهم صهره صاحب السلطة والنفوذ.

لدى جلال الدين الرومي تفسير مميز فيما يتعلق بهوية الفرعون. فهو يرى أن الفرعون يظهر نتيجة الكم الهائل من عبارات المديح والتملق. وآمل أن يضع بشار الأسد التفجير في اعتباره، إذ ربما غدا يكون قد فات الأوان.

3 - حاسة سرية، أو الحاسة السادسة إذا أردت القول، تخبرني بأن بعض الدول في انتظار دمار سوريا، كدولة وكأمة، وأيضا كقوة عسكرية. وهم يعتقدون أنه في منطقتنا، يجب أن يكون هناك جيش واحد قوي، وينبغي أن تكون جيوش الدول الأخرى واهنة، كجيوش أفغانستان والعراق. ويدعم هذه النظرية بعض النبوءات الواردة في الكتاب المقدس. على سبيل المثال، استشهدوا بإصحاح 17:1:

«وحي من جهة دمشق هوذا دمشق تزال من بين المدن وتكون رجمة ردم».

«ارتخت دمشق والتفتت للهرب أمسكتها الرعدة وأخذها الضيق والأوجاع كماخض» (إصحاح أرمياء 49:24).

تزخر الكتابات الإسرائيلية، وعلى وجه الخصوص تلك المكتوبة باللغة العبرية، بالكثير من الأمثلة. لم أنس مطلقا أنه عندما استمرت الحرب البلهاء بين العراق وإيران، قال هنري كسينغر، إن هذه الحرب يجب أن تكون على غرار صراع الديوك المكسيكية؛ فيكون هناك ديكان يصارعان بعضهما البعض بشكل دموي، وفي النهاية يخر كلا الديكين صريعا على الأرض شبه ميت.

يبدو لي أن بن علي ومبارك، بل وحتى شاه إيران، آثروا مصلحة بلادهم على أنفسهم، ومن ثم، تخلوا عن السلطة. غير أن صدام حسين والقذافي لم يتخليا عن السلطة حتى الموت. لا أعتقد أن حكم التاريخ سيأتي في صالحهما، فقد دمرا دولتيهما، وقسما الأمة.

4 - تلعب كل من روسيا وإيران دورا محوريا في سوريا. فلكل منهما مصالح استراتيجية في سوريا. ويعتمد جيش سوريا على التكنولوجيا واللوجيستيات الروسية. يتراءى لي أن هذا هو آخر جيش في المنطقة ما زال يعتمد على روسيا. تربط إيران علاقات استراتيجية بسوريا. أولا، إبان الحرب بين العراق وإيران، ساعدت سوريا إيران ودعمتها؛ إضافة إلى ذلك، فخلال الحرب التي استمرت لمدة 33 يوما بين إسرائيل وحزب الله، وحرب غزة، كانت سوريا هي المصدر الرئيسي للأسلحة، خاصة القذائف لكل من حزب الله وحماس. ومن ثم، يتسم موقفا إيران وروسيا بالغموض. ولا أعتقد أن بإمكانهما إنقاذ نظام بشار الأسد، إذ قيل:

في الصيف ضيعت اللبن

أعتقد أن السياسي الحكيم يعلم، ومن ثم، يمكنه تقرير الوقت المثالي للتخلي عن السلطة. إنني لا أقصد هنا الساسة الذين يتسمون بحكمة استثنائية فائقة للعادة، مثل نيلسون مانديلا ومهاتير محمد ورؤساء الصين؛ بل أتحدث عن بن علي ومبارك. أقرأ تقريرا غريبا عن بعض جماعات المعارضة السورية التي كشفت عن فيلم جديد عن الساعات الأخيرة من اليوم الأخير في حياة القذافي. كانت رسالة قوية، لكن هل تلقى بشار الرسالة، أم أنه يفضل تلقيها بشكل شخصي في الشوارع؟