شكسبير العراقي

TT

كان أستاذنا الدكتور خلوصي يصر على أن شكسبير رحل من العراق باسم شيخ زبير واستقر في إنجلترا فلم يستطيعوا لفظ اسمه فحوروه إلى شكسبير. وهو دليل على عالمية هذا الكاتب. تجلت عالميته بصورة خاصة في روميو وجولييت التي كانت أول حكاية غربية سمعتها في طفولتي من والدي رحمه الله. مثلت الحكاية في شتى الأعمال التشكيلية والسينمائية والأوبرالية والراقصة. والآن جاءتنا فرقة العراق المسرحية بقيادة مخرجها القدير مناضل داود لتقدم نسخة جديدة مقتبسة منها باسم «روميو وجولييت في بغداد». قدمتها في ستراتفورد، مسقط رأس شكسبير، ضمن البرنامج العالمي لهذا الكاتب ثم رأيناها في لندن.

سبقت أخبار الفرقة هذا العمل المسرحي فوصلتنا قبل وصولها، سمعنا أن النقاد في العراق انتقدوها وأدانوها بتكريس الروح الطائفية، فروميو في المسرحية العراقية المقتبسة يتحدر من أسرة شيعية. يقع في حب جولييت من أسرة سنية. وتصطدم الأسرتان في معارضة زواجهما. الزواج المختلط شيء شائع في العراق ويعبر في الواقع عن سماحة متأصلة في المجتمع العراقي رغم كل ما شهدناه في السنوات الأخيرة. وهذا طبعا سر امتعاض النقاد من المسرحية. وهم على حق من حيث إنه لا توجد عائلة في العراق تعترض على وقوع ابنها في حب فتاة من الطائفة الأخرى وزواجه بها. يعترضون عندما لم تكن عندها ثروة أو والد من كبار الحرامية في الدولة. بيد أن رسالة المسرحية، وهي أن الحب يسمو فوق كل الحزازات الطائفية رسالة مشكورة، وفيما نرى العاشقين ينعمان بحبهما، يدخل شاب يحمل باقة ورد إليهما وإذا بالباقة تنفجر في عملية انتحارية من أتباع «القاعدة» ويهلك الثلاثة في الانفجار. وهذه رسالة ثانية من كاتب المسرحية وهي أن الإرهابيين والمتشددين هم الأعداء الحقيقيون للحب والمحبين في العراق وحيثما وجدوا في هذا العالم. وعندما ترى الأسرتان ما حدث يدركون حكمة هذه الرسالة فيتعانقون ويتصالحون. لا بأس فكرة حلوة.

سبق أن قام الإرهابيون بعمل إجرامي آخر عندما نسفوا كنيسة سيدة النجاة في بغداد. سعى المؤلف المقتبس أن يقدم هذا الاعتذار المتمدن للطائفة المسيحية. فبعد مطاردة أهل روميو وجولييت للعاشقين لم يجدا ملاذا مناسبا يعطيهما الأمان والنجاة غير كنيسة سيدة النجاة فالتجآ إلى راعي الكنيسة الذي رعاهما بعطفه وحبه وأخفاهما في كنيسته. رسالة ثالثة حلوة ولكنها تثير تساؤلا خطيرا في الذهن. أهكذا انتهى الأمر بالمسلمين ألا يجدوا من يرعاهم في ديارهم غير رجل مسيحي ولا ملاذا للحب خارج كنيسته؟

تعطي «روميو وجولييت في بغداد» صورة للحياة في عراق اليوم. كثير من دوي الرصاص والقنابل والقتل والمقتول والضجيج والصياح والله يساعد كل من جلسوا في المقاعد الأمامية من المسرح. المبالغة ميزة أخرى من مميزات المجتمع العراقي، بل والعربي عموما. ومشاهدونا معتادون عليها ولكن ليس في لندن وفي عمل مستوحى من المسرح الشكسبيري والغرام الإنجليزي. أشرت إلى مناضل داود بالمخرج القدير، وأضيف له صفة الشجاع أيضا. فالنص الذي بيده لا يقل صعوبة عن تطهير العراق من الفساد والأنانية.