حليف الحيوانات يتكلم

TT

كنت قرأت مذكرات، أو بمعنى أصح (يوميات) موظف مصري بسيط ذهب إلى السودان قبل عدة عقود، لم يكن في تلك اليوميات ما يثير لأنها أقل من عادية، ومع ذلك استمررت في قراءتها وكأنني أردت أن أعاقب نفسي، غير أن هناك حادثة واحدة استرعت انتباهي وقد يكون فيها (دلالة)، وها أنا ذا أوردها لكم، يقول ذلك الموظف:

كانت السيارة الجماعية متجهة بنا إلى بلدة (القضارف)، وبعد مسيرة طويلة قررنا أن نضع رحالنا على أطراف غابة حافلة بالقرود، لكي نستريح قليلا ثم نواصل المسير.

ورأى أحد أفراد الجماعة قردا صغيرا تحمله أمه، فخطرت على باله فكرة قائلا لنا: أريد أن آخذ هذا القرد الصغير لأهديه لأحد أصدقائي بالقاهرة عندما نعود.

وذهب للسيارة وأحضر معه بندقيته التي صوبها على رأس القردة الأم، وبطلقة واحدة خرت المسكينة صريعة، بينما سقط ابنها من فوق كتفها إلى الأرض سليما.

وجرى ليلتقط القرد الصغير من أسفل الشجرة، وفجأة إذا بقرد ذكر ضخم كان أسرع منه، حيث وثب من أعلى الشجرة والتقط الصغير وحمله على كتفه وصعد به، ثم وضعه آمنا على أحد الأغصان.

ثم استدار مركزا نظراته النارية علينا، ومكشرا عن أنيابه ويصرخ صراخا مرعبا، وكأني به يقول لنا: إن كنتم رجالا واجهوني من دون بنادقكم، واتركوا النساء والأطفال على جنب!

ويمضي الموظف قائلا: الواقع أن تداعيات هذه الحادثة أصابتنا باضطراب، ولم نملك إلا أن نركب سيارتنا على عجل وننطلق بها بعيدا عن أرض المعركة، طبعا أخذنا نلوم ذلك الرفيق الأرعن الذي أطلق الرصاصة على تلك الأم من دون وجه حق.

والحادثة الثانية سبق أن رويتها، ولا بأس أن أعيدها للذكرى التي علها تنفع المؤمنين.. ففي أحد الفنادق الأسترالية، رتب لبعض الزبائن رحلة (سفاري) ليوم واحد، وركب في سيارة (الجيب) خمسة من السياح الأوروبيين، وكان سادسهم أحد رجال الأعمال الخليجيين، وأثناء سيرهم في طريق غير معبد قطع الطريق عليهم (كانغرو)، فصدمته السيارة وسقط لا حراك به، وعندما سحبوه من الطريق وأرادوا أن يواصلوا السير، ترجاهم الخليجي أن يصوروه معه، ووافقوه على ذلك، ولكي تكون الصورة أجمل أسندوا الحيوان على جذع الشجرة وكأنه واقف، ولكي تكون الصورة أجمل وأجمل ما كان من الخليجي إلا أن يخلع (جاكيته) ويلبسه الحيوان، و(كسكتته) يضعها على رأسه، ونظارته الشمسية على عينيه، ووقف بجانبه مبتسما، وما إن لمعت (فلاشات) التصوير حتى أفاق (الكانغرو) من دوخته، وانتفض راكضا واختفى بين الأحراش والأشجار وكأن الأرض قد بلعته. عندها انتبه الرجل إلى نفسه وصعق عندما تذكر أن نقوده وكروته الائتمانية وأوراقه وتذكرة طيرانه وجواز سفره كلها في جيب (الجاكيت).

والأدهى والأمر أنه كان من المفترض أن يذهب بعد يومين إلى ماليزيا ليوقع صفقة تجارية مع إحدى الشركات، حاول الاعتذار عن التأخير وأرسل لهم صورته مع الكانغرو للتأكيد، غير أن تلك الصورة هي القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث إن مديري تلك الشركة عرفوا أنه إنسان لا يمكن الوثوق به ولا بقواه العقلية، وألغوا الصفقة معه.

وهذا هو ما زادني انشراحا، فكله عندي إلا (التهكم) على الحيوانات.

لا شك أنني حيواني النزعة، إلى جانب نزعتي الإنسانية.

[email protected]