موجة التحرير الثالثة في أفريقيا

TT

أثمرت السنوات الأولى من القرن الحالي أفضل عقد من التوسع الاقتصادي في أفريقيا منذ نهاية الحقبة الاستعمارية، حيث أظهرت الكثير من دول القارة معدلات نمو بلغت 5 في المائة أو أكثر منذ عام 2000. التوقعات جيدة أن النمو سيظل في هذا المستوى للسنوات القليلة المقبلة.

هذه الزيادة في النمو تأتي نتيجة لزيادة أسعار السلع التي يغذيها زيادة الطلب الصيني، وتعكس أنظمة الحكم المتطورة في أفريقيا، التي أكدها انتشار الديمقراطية في شتى أنحاء القارة.

ترجمة النمو إلى تنمية - ووظائف - يتطلب خطوات أخرى. إحدى هذه الخطوات، ستدفع الدول الأفريقية إلى تنويع اعتمادها على تصدير المواد الخام المفيدة لخزانات الدول، لكنها لا تقدم سوى القليل من الوظائف المحلية. ومع التوقعات بوجود ربع سكان العالم تحت سن الخامسة والعشرين في دول جنوب الصحراء الكبرى بحلول عام 2015، تشكل تهيئة الظروف اللازمة أمرا ضروريا. فهناك ثمانية من بين كل 10 أفارقة لديهم عملهم الخاص.

ولضمان مستقبل يحمل آفاقا جديدة من الوظائف والتنمية، ستضطر الحكومات الأفريقية إلى السير في طريق لم يخضه سوى القليلين حتى الآن. بادئ ذي بدء ينبغي لهذه الحكومات وضع «آيديولوجية نمو»، وستحتاج الكثير من الحكومات إلى التخلي عن عدائها للتجارة القائم على الاستبعاد العنصري أو فكرة المنافسة. يجب على هذه الحكومات أيضا أن تلعب دورا رئيسا في مساعدة الشركات الخاصة من خلال إنشاء البنية التحتية الضرورية للتنمية الاقتصادية، وبخاصة تعامل القارة مع القيود العالقة للمواصلات غير ملائمة وإنتاج الكهرباء.

جدير بالذكر أن إنتاج الكهرباء في دول جنوب الصحراء الكبرى مجتمعة يكافئ ما تنتجه إسبانيا، على الرغم من عدد سكانها الذي يزيد 20 مرة عن إسبانيا.

ينبغي للدول الأفريقية أيضا، أن تعمل على تطوير الأنظمة التعليمية التي تحول دون استيعاب أعداد كبيرة من الأطفال بالتعليم وتدريب قوة عاملة عالية الكفاءة تجذب المستثمرين. فمدارس أفريقيا في الوقت الراهن لا تضم سوى عدد قليل للغاية من الأطفال، ونادرا ما يكمل الأطفال تعليمهم. وما لم يتم التعامل مع هذه المشكلة، يمكن لهذه القيود أن تعيق النمو، وتجهض التنمية في بعض الحالات. وسيؤتي الاستثمار الناجح في البنية التحتية والتعليم بثماره على المدى الطويل.

تعتقد بعض الحكومات أنها قادرة على «التركيز على قطاعات بعينها» لتشجيع الاستثمار، لكن معدلات نجاحهم ليست مشجعة. وبرغم تطبيق حوافز مثل إنشاء منطقة اقتصادية خاصة قادرة على تشجيع الاستثمار - لا سيما العمل على إبعاد الشركات عن الفساد الرسمي وعدم الاستقرار السياسي - فإن هذه هي أفضل الحلول المؤقتة. ربما كان الأهم بالنسبة للحكومات إعداد بيئة اقتصادية شاملة يمكن للقطاع الخاص أن يختار مالكيه.

إذا كانت موجة التحرير الأولى التي شهدتها أفريقيا كانت من الاستعمار والحكومات العنصرية، وتضمنت المرحلة الثانية تحرير نفسها من استبداد وسوء إدارة اتسم بها الكثير من المحررين، فإن المرحلة الثالثة تشمل تغيرا في التركيز على السياسات ذاتها، وسوف يتطلب ذلك التركيز على قضايا التنمية الاقتصادية واستبعاد القضايا العرقية والقبلية والدينية، التي ابتليت بها أنحاء واسعة من القارة في الماضي.

للمرة الأولى، تقدم حقبة تحرير أفريقيا الثالثة، لمواطنيها في أنحاء القارة الفرصة لإعداد أجنداتها، وستجعل المساعدات الغربية أقل أهمية. وعلى الرغم من أن وكالات المساعدات الغربية قد لا تلحظ ذلك، فإن أجندة التنمية دائمة التغير، والعدد الكبير من الشخصيات الشهيرة التي ربطت نفسها بالمساعدات الأجنبية لم تعد أساسية في كيفية تحديد الأفارقة في كثير من الدول لأولوياتهم.

هذه الدول تتمتع بذكاء كاف لاستغلال مميزات السوق الحقيقية المفتوحة أمامهم لديها لقيادة باقي القارة إلى الرخاء.

* مؤلفا كتاب «التحرير الثالث لأفريقيا - البحث الجديد عن الرخاء والوظائف»

* خدمة «نيويورك تايمز»