سوريا عند الساعة الخامسة والعشرين

TT

الوضع في سوريا بلغ الساعة الخامسة والعشرين. وعبارة «الساعة الخامسة والعشرون» مأخوذة عن عنوان أشهر روايات الكاتب الروماني كونستانتان جورجيو التي يصف فيها أوضاع بلاده وحالة الإنسان في ظل الحكم الشيوعي. وهو يعني بها «الساعة التي تجاوزت الساعة الرابعة والعشرين» الطبيعية في قياس الزمن. أي الساعة الأخيرة التي لا تستطيع عندها لا الرجوع إلى الوراء، ولا التقدم إلى الأمام.

وفعلا، ذلك هو أفضل وصف لما وصلت إليه سوريا بعد سنة ونصف من انتفاضة الشعب على النظام الذي يحكمه منذ أربعين سنة، أسوة بما حدث في عدة دول عربية أخرى، وسمي بالربيع العربي. فلا النظام الحاكم قادر على التغلب على الثورة الشعبية؛ ولا هذه الأخيرة قادرة، حتى الآن، على الإطاحة بالحكم.. ولا أي منهما قادر على التراجع بعد أن سالت الدماء وقصفت المدن بالمدافع وتشرد عشرات الألوف، خصوصا بعد أن انقسمت الدول الكبرى والدول الإقليمية النافذة في تأييدها للطرفين المتنازعين، وشلت يدا مجلس الأمن بالفيتو الروسي - الصيني.

ربما كان بالإمكان، عند اندلاع الانتفاضة الشعبية - وكانت سلمية وإصلاحية الشعارات ورافضة لأي تدخل خارجي - التوصل إلى حل سياسي سلمي للأزمة، ولكن النظام الحاكم أغلق الباب بوجه معارضيه والشعب المنتفض. أما الحديث عن حل سياسي الآن، فهو «حديث خرافة».. فمهما بلغت قوة النظام العسكرية والدعم الروسي - الإيراني له، فإن استمرارية النظام محدودة، ومن رابع المستحيلات أن يعود إلى حكم سوريا كما فعل طوال أربعين عاما. وقد يكون من الصعب عسكريا الإطاحة بنظام لا يزال حتى الآن يتمتع بقوة عسكرية ضخمة إلا بانقلاب عسكري؛ وهو مستبعد ما دامت قيادات القطاعات بيد العائلة والعشيرة الحاكمتين. إلا أن الشعب الذي لجأ إلى السلاح ليحمي نفسه ويدعم مطالبه، ووجد تأييدا ودعما من المجتمع الدولي والدول العربية، لا يستطيع التراجع والاستسلام لنظام يحكمه بالنار والحديد وبالمخابرات والسجون.

في بداية الانتفاضة الشعبية السورية حرص الطرفان المتنازعان على رفع شعارات الإصلاح وتلافي الحرب الأهلية والتدخل الخارجي في النزاع. وذهبت هذه الشعارات في مهب الريح بعد سنة ونصف من المواجهات.. فالحرب الأهلية ناشبة اليوم في سوريا، والتدخلات الدولية والإقليمية في المعركة على أشدها.. ولا أحد يستطيع الجزم ما إذا كان الحل الآتي، يوما ما، سيكون سياسيا أم عسكريا.. دوليا أم إقليميا؛ ذلك أن الدول الكبرى والدول الإقليمية النافذة لا تستطيع، هي أيضا، التراجع بعد أن مضت في تأييدها لهذا الفريق أو للآخر، إلى الحد الذي وصلت إليه، وبعد أن باتت سوريا حلبة صراع مكشوف بين الشرق والغرب، وبين الدول الإقليمية النافذة.

لقد قارن بعض المعلقين بين ما يحدث في سوريا وما حدث في لبنان في السبعينات من القرن الماضي. ومجال المقارنة وارد نظرا لتطيف النزاع دينيا ومذهبيا. وآخرون شبهوه بما حدث في إسبانيا في ثلاثينات القرن العشرين حين راحت بعض الدول الأوروبية تدعم وتغذي هذا الفريق ضد الآخر. وفي مطلق الحالتين، دام النزاع والقتال سنوات، وإن اختلف أسلوب الحسم وعنوانه.

ومما زاد الطين السوري بلة المرحلة التي تمر بها الولايات المتحدة ذات العناوين القاتمة الثلاثة: عدم التدخل العسكري في المنطقة، والسنة الانتخابية، والأزمة الاقتصادية. كذلك السياسة الجديدة التي قرر بوتين اتباعها بعد عودته إلى رئاسة الدولة، وهي أقرب ما يكون إلى السياسة التي كانت موسكو تتبعها في عهد الحكم الشيوعي ووصفت بـ«الحرب الباردة» بين الشرق والغرب.

أكثر من سؤال يطرح اليوم: سؤال حول تصعيد المواجهات القتالية والدخول في حرب أهلية مكشوفة ومرهونة بالنزاعات الإقليمية والدولية، وسؤال حول موقف إسرائيل الحقيقي مما يجري في سوريا، وسؤال حول غموض مواقف بعض الدول العربية، وسؤال حول العلاقة بين المشكلة النووية الإيرانية والدور الإيراني في سوريا والحديث عن صفقة أميركية – إيرانية - إسرائيلية تنقذ النظام السوري أو تطيح به.

لقد اختلطت الأوراق في هذه المنطقة من العالم وضاعت بينها ورقة الصراع الدائر في سوريا. أما الراهن الواضح، فهو أن روسيا مصممة على دعم النظام السوري، ولم تكشف عن الثمن الذي تطلبه من الغرب كي ترخي قبضتها. والراهن أيضا هو أن إيران ماضية في الدفاع عن النظام السوري لأنه يشكل حجر زاوية في بناء حلمها الإمبراطوري - الشيعي الممتد حتى البحر المتوسط. وهما تستفيدان من ارتخاء قبضة الغرب في المنطقة بعد تجربتي العراق وأفغانستان. ولكن هذا الدعم الروسي - الإيراني قد يطيل عمر الحرب الأهلية، ولن يحسمها.