تولى إعلان فشله

TT

بعد مضي فترة على مهمة كوفي أنان، اشتدت حملات الزملاء عليه، تطالبه بالخروج من خلف الرتابة الدبلوماسية والكلمات التي لا تقول شيئا. كتبت يومها أنه يجب إعطاء الرجل الوسيط المزيد من الوقت، لأنه بكل بساطة وسيط. وأول شروط الوساطة تحمّل ما لا يستطيع الآخرون تحمّله: عناد المتقاتلين وخداع الفرقاء وصراع البقاء.

كان رأي عدد كبير من الكتاب أن على أنان أن يطلع العالم على الحقيقة وأن يبلغ الناس بضرورة تنحي الرئيس السوري. لقد فعل ذلك بعد أن أعلن نهاية مهمته. لكن هل نتصور ماذا لو أعلن هذا الموقف من قبل؟ هل في إمكانه بعدها الذهاب إلى سوريا أو حتى إلى روسيا؟

الوساطة مهمة معقدة وعقوق. ومن ضمن النقد لأنان أنه أخفق في رواندا وفي البوسنة. والحقيقة أن في البوسنة أخفق أيضا اثنان من ألمع وزراء خارجية بريطانيا. ومقتل 800 ألف رواندي ذبحا بالمناجل لا يعني أن الذي فشل هو كوفي أنان، وإنما أفريقيا برمتها وهذه البشرية المتوحشة برمتها، وهذا النظام الدولي العاجز برمته.

إذا كانت عناصر ومعطيات النزاع تتعدى طاقات مجلس الأمن بكامله، فإنها بالتأكيد تتجاوز طاقة مبعوثه. كلف أنان مهمة مهيضة في الأصل: جامعة عربية تجاوزتها القضية إلى التفاقم العالمي، ومجلس أمن مقطوع الجناح بالفيتو الروسي الذي لم تلوح به موسكو حتى في أزمات كوبا وبرلين الغربية.

الآن أصبح في إمكاننا أن نقول إن مهمة أنان قد أخفقت. ليس نحن من يقول ذلك، بل كوفي أنان نفسه. أي نجاح يمكن أن يدعي وقد امتدت الحرب بعد تكليفه إلى دمشق وحلب؟ ليت الحروب والمآسي تحل على طريقتنا، أهل الصحافة وذوي المشاعر الطيبة والمتألمين في هذه الأرض.

عندما كان أنان يحدد مهلا تقع بعد شهرين أو ثلاثة، كنت أقول في نفسي: ما هذه البلادة البشرية؟ كيف يمكن أن يحتمل بقاء هذه المشاهد شهرين آخرين؟ وكم سوف يكون مجموع الضحايا آنذاك؟ لكنني أبقي ذلك لنفسي، لأنني كصحافي أعرف أن الرجل لديه معطيات لا أعرف عنها شيئا. وهو يبني تقديراته على ما لديه وليس على ما لدي. وفي كل حال، العبرة بالنتائج. والنتيجة أن أنان أخفق بصيغتيه، العربية والدولية.