الكهرباء تشعل لهيب الصيف

TT

من المفارقات العجيبة أن اثنين من أكبر بلدان العالم إنتاجا للطاقة، وأشد بلدان العالم حرارة في مناخها، وهما السعودية والعراق، يعاني مواطنوهما من مشكلات في الحصول على خدمة الكهرباء.

يحار المرء ما عساها أن تكون الأسباب؟

لو كان انقطاع الكهرباء محدودا أعقبه هزة ارتدادية تصحيحية في تقديم الخدمة، لقلنا إنها حادث عابر قد يحدث مع أي مزود خدمة. لو كان هناك شح في مصادر الطاقة كما هو الحال في اليمن أو المغرب أو مصر لربما كانت الذريعة جاهزة ونسبيا مقبولة. لو كانت الموجة الحارة استثنائية كما حصل في لندن قبل أسبوع لقلنا إنها تقلبات جوية مؤقتة.

فإن كانت لدى العراق، الذي تأصلت فيه مشكلة الكهرباء، أسبابه الخاصة المرتبطة باستقراره السياسي، فإن السعودية التي ثارت فيها شكاوى الناس هذا الصيف بشكل كبير وليس جديد، تمتلك أسباب النجاح في تقديم كل الخدمات.

مهما قيل من مبررات لأعطال أو ضعف الخدمات، لا يمكن لأي متضرر أو متابع إلا أن يعزو الخلل إلى الإدارة. والإدارة لا تعني فقط رئيس الشركة أو الوزير، بل كل من يرتبط بالمتابعة والمراقبة وتقييم الأداء. وإلا فكيف يشتكي الناس من انقطاع متكرر للكهرباء في أكثر بلدان المنطقة في مشاريعها الكهربائية، وكيف يمكن لمدينة مثل جدة؛ ساحلية، تستوطنها محطات التحلية، أن يلجأ أهلها لشراء صهاريج مياه عذبة؟

عادة ما يشتكي الناس من أن المسؤول عن الخدمة لا يشعر بمعاناتهم، فهو يستصغر الخلل لأنه بعيد عن تأثيره، هم يستصرخون من لهيب الحرارة في شهر الصوم، والمسؤول يناقش المشكلة بروية من داخل قاعات مكيفة، كما يؤكدون أن الانقطاع في الكهرباء لا يمس المناطق أو الأحياء السكنية التي عادة ما يسكنها الأغنياء ووجهاء المجتمع، ويكون علاج المشكلة إن حصلت في تلك المواقع سريعا كسرعة سريان ماس كهربائي. والمسؤول يرد على هذه الاتهامات بأن المشكلة موجودة ولكنها محدودة يجري تضخيمها إعلاميا، وأن هناك جهودا تبذل، ولكن الحوادث قد تحصل.

عندما تقع مشكلة من هذا النوع يلتفت عموم الناس إلى المسؤول عن المؤسسة، ماذا سيفعل أو على الأقل ماذا سيقول. لكنهم هذه المرة واجهوا حالة من التيه، فهم لا يعلمون من المسؤول حقا عن هذا العيب، فكل جهة تلقي باللائمة على الأخرى، هل هي شركة الكهرباء المنفذة، أم هيئة الكهرباء المنظمة والضامنة للخدمة، أم الوزارة التي يفترض أنها على رأس المسؤولية.

شركة الكهرباء في معرض تصريحها الصحافي حول الموضوع ركزت على نقطتين؛ الأولى أن الطلب على الكهرباء زاد عن العام الماضي بنسبة 5 في المائة وهو ما كان خارج توقعاتها، والثانية أنهم أقروا بحاجة المولدات الكهربائية المتهالكة إلى تجديد. هذه التصريحات تعني غياب التخطيط الاستراتيجي، لأن بناء التوقعات جزء لا يتجزأ من عمل أي إدارة، كما أن الحديث عن الاحتياجات الفنية من مولدات وكابلات قد لا يكون حكيما بعد خراب مالطا. أما تقرير هيئة الكهرباء للعام الماضي فيشير إلى أن 78 في المائة من انقطاعات الكهرباء أسبابها فنية؛ شبكات نقل وكابلات، أي احتياجات يسهل على شركة ضخمة تلبيتها.

انتاب الناس الذعر في السعودية حينما صرح خبير فلكي قبل شهرين بأن درجة الحرارة هذا الصيف ستبلغ 70 درجة مئوية في الشمس وستتجاوز 50 درجة في الظل، وستصل ذروتها في شهر رمضان. في الواقع أن الحرارة تجاوزت في الظل في بعض الأيام 56 درجة مئوية بحسب قراءات فردية من مواطنين لم يتسن لهم الاصطياف في أوروبا. كانت الناس قلقة من اضطرارها للخروج في ساعات النهار، ولكنها لم تتوقع أن تواجه انقطاعات متكررة للكهرباء في كل ساعات اليوم.

جغرافية السعودية معقدة، وتعاني من أكثر من مشكلة، بعضها استجد مؤخرا كالرياح الغبارية التي أصبحت سمة لمعظم أيام السنة في معظم المناطق، أما سخونة الجو فهي ليست حالة طارئة، بل جزء من فيزيائية المكان، ومع أن ظاهرة الاحتباس الحراري التي تعم العالم رفعت حرارة الأرض خلال العشرة عقود الماضية، ولكنها لم تغير من واقع الحاجة الملحة للتزود بوسائل التبريد في معظم شهور السنة في بلد كالمملكة.

هناك ضرورة للجلوس وتدارس ملف الخدمات العامة خاصة الكهرباء والمياه. إعادة الهيكلة، والشفافية في عرض المشكلات، وتلبية الاحتياجات سواء فنية أو بشرية، محلية أو أجنبية، وحضور القطاع الخاص في مشاريع الكهرباء والمياه في المدن والقرى والهجر، كلها أمور مطلوبة للطرح العاجل.

البعض يعول على استخدام الطاقة البديلة؛ النووية أو الشمسية لإنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه كأحد الحلول، وهذا صحيح، حيث إنها مشاريع واعدة وحتمية لتوفير مصادر طاقة إضافية، ولكن الخلل في الأصل ليس مرتبطا بشح الطاقة، بل بشح المبادرة الجادة في المعالجة الجذرية لمشكلات قديمة.

* كاتبة سعودية

[email protected]