قرن الحروب العربي

TT

يجمع المؤرخون على أن القرن العشرين هو أكثر عصور البشر قتلا: 178 مليون قتيل، في حروبه المباشرة أو غير المباشرة. حربان عالميتان، وحرب باردة يبدو أنها مستمرة بأشكال أخرى. لم يحسب لنا المؤرخون حتى اليوم مجموع القتلى في القرن العربي الذي بدأ هو أيضا عام 1914 مع الحرب الكونية، ثم شهد 1948 و1967 و1973، وبينها عشرات الحروب الحدودية والثنائية أو الأهلية.

لكن حرب سوريا الآن هي الأكثر تداخلا إقليميا ودوليا، منذ الحرب على التركة العثمانية التي انتهت إلى تشكيل المنطقة في خريطتها الحالية، المعروفة، للتبسيط، بخريطة سايكس - بيكو، الاسمين اللذين استخدمهما المناضلون العرب لتبرير محو جميع أشكال التنمية والحرية والتقدم. فالعرب لا يصلح لهم إلا لعنة القهر والذل، بينما عبر العالم في هذه المرحلة نفسها، من العبودية إلى الكرامة.

في أي حال، لم تعرف أي حرب من الحروب الماضية، تضاد وتداخل العناصر، كما في حرب سوريا: إيران تلعب دورا رئيسيا مهما للمرة الأولى منذ تراجع الفرس إلى حدود إيران الحديثة. وتركيا تلعب أهم دور عسكري وسياسي ومصيري منذ انحسارها وإغلاق المدارس التركية في طرابلس وبيروت ودمشق. وروسيا تلعب أدق دور مصيري لها منذ أن أفاقت لترى بكباشيا مصريا سابقا يقول للجيش الذي ربح الحرب العالمية الثانية: تفضل اخرج، فإن أميركا تملك 99 في المائة من أوراق الحل! ولا أحد يعرف حتى الآن لماذا ضن بالورقة الأخيرة أيضا.

ثمة دور سياسي لأميركا وأوروبا وروسيا والصين وإيران، وأدوار عسكرية متفاوتة للجميع. وللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الأولى ثمة نكهة طائفية ومذهبية للحرب. وللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية ثمة كلام جدي عن التقسيم. ولأول مرة منذ سايكس - بيكو عام 1916، هناك شعور بأن خريطتهما قد تتغير.

في هذه الأثناء ما من أحد يحصي ضحايا حروب القرن العربي، لأنه ليس للعربي أهمية أو حساب في إحصاءات الحياة والموت. ولنكرر لكم قول الفريق أمين الحافظ، المأثور والأثير معا «إن نساءنا حبالات ولادات»، وليس «إن مدارسنا عالية ومختبراتنا متفوقة ومصانعنا عاملة». ثمة شيء أكثر أهمية بعمل: حبالات ولادات.

بدأت الحرب «في» سوريا، وأصبحت الآن «على» سوريا. وقد لا تكون آخر حروب القرن العربي ولا ذروته. فحتى الآن لم تبلغ 75 ألف قتيل كما في ليبيا، أو ربع مليون قتيل كما في الجزائر، أو ما يعادلهم في لبنان. إلا أنها بالتأكيد الحرب الأكثر تشعبا ومضاعفات. لا تتمتع دولة عربية أخرى بهذا التميز الذي يفضل السوريون عليه السكون والطمأنينة، بدلا من أن يكونوا «مهمين» للجميع.

عنوان النشرة الإخبارية على قناة «العالم»: الجيش السوري يتقدم في حلب! مجرد زلة صحافية رديئة، لكنها تصلح عنوانا للمرحلة التي نحن فيها، حيث تنسي الأحداث الناس أن سوريا حلبية. وكذلك الجيش المتقدم.