ماذا فعلت روسيا؟

TT

لم يكن واقعيا أو معقولا، توقع موقف روسي غير مؤيد للنظام السوري. كانت كل الدلائل والعناصر تشير إلى أن موسكو أمام خيار واحد، هو الحفاظ على الحليف الأقدم والأخير في العالم العربي، وعلى مينائها الاستراتيجي الأخير على المتوسط، بعدما خسرت مصر واليمن الجنوبي والعراق وأخيرا ليبيا.

لذلك كان بديهيا أن تبنى السياسات الدولية على أساس أن الدعم الروسي لدمشق سوف يكون مطلقا ونهائيا. وليس من أجل دمشق بل من أجل طرطوس. وليس من أجل سوريا بل من أجل روسيا. لكن هذه الحسابات الأولية لم تأخذ في الاعتبار أن النظام السوري لا يخوض فقط صراعا إقليميا بل حربا داخلية أيضا، وهذه الحرب الداخلية لم تعد مواجهة في درعا وحمص وحماه، بل تطورت إلى قتال شامل ونزوح جماعي وانشقاقات عسكرية.

الحفاظ على موقع في سوريا كان يقتضي من موسكو دورا أكثر حكمة في نصح دمشق ومساعدة النظام في وقف الاندفاع العسكري. وكان في إمكان موسكو أن تستخدم وزنها الدولي عبر بوابة التفاهم مع الدول الأخرى وليس من خلال الفيتو الذي أدى في النهاية إلى عزل سوريا ووقوف 133 دولة ضدها.

المؤسف أن فلاديمير بوتين لم يعرض على دمشق سوى حل «غروزني»، الذي طبقه إثر وصوله إلى السلطة وكان مدخله إلى الحكم. وهذا جهل في الدبلوماسية وفي السياسة وفي فهم سوريا. وسوف يكتشف النظام السوري، في ساعة الأسف، أن الفيتو الروسي والدعم الإيراني والبلادة الصينية، حالت دون مخرج بسيط، قائم على الإصلاح والاحتواء وتفهم رغبات الناس.

قد يقرأ المرء، منذ البداية، علامات اختلاف في الرأي بين الثنائي الاسترئاسي بوتين – ميدفيديف. فتصريحات الثاني كانت أكثر ليونة وأقل تشجيعا للحل العسكري. لكن القرار بين الاثنين هو للرجل الأول. والرجل الأول جاء من ثقافة عسكرية لا ترى حلا إلا بالقمع المطلق، ولا نجاحا إلا للقوة المطلقة.

الفيتو الروسي كان مثل جدار برلين. خدع النظام السوري عندما أقنعه بأنه أمن له الحماية ضد «أعداء الداخل»، وضد مؤامرات الكون، لكنه يتضح اليوم أنه مجرد سلاح وهمي لم يستطع أن يرد شيئا عن النظام. زاد في استعداء الأمم ولم يضف شيئا في تحصين الحليف. وطريق التراجع أصبح مغلقا أمام الجميع.